فصل
قال الفخر :
ثم إنه تعالى حكى عنهم ثلاثة أشياء : أولها : قوله :﴿وَلَوْ أَنَّ لِكُلّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِى الأرض لاَفْتَدَتْ بِهِ﴾ إلا أن ذلك متعذر لأنه في محفل القيامة لا يملك شيئاً كما قال تعالى :﴿وَكُلُّهُمْ ءاتِيهِ يَوْمَ القيامة فَرْداً﴾ [ مريم : ٩٥ ] وبتقدير : أن يملك خزائن الأرض لا ينفعه الفداء لقوله تعالى :﴿وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ [ البقرة : ٤٨ ] وقال في صفة هذا اليوم ﴿لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شفاعة﴾ [ البقرة : ٢٥٤ ] وثانيها : قوله :﴿وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب ﴾
واعلم أن قوله :﴿وَأَسَرُّواْ الندامة﴾ جاء على لفظ الماضي، والقيامة من الأمور المستقبلة إلا أنها لما كانت واجبة الوقوع، جعل الله مستقبلها كالماضي، واعلم أن الإسرار هو الإخفاء والإظهار وهو من الأضداد، أما ورود هذه اللفظة بمعنى الإخفاء فظاهر وأما ورودها بمعنى الإظهار فهو من قولهم سر الشيء وأسره إذا أظهره.
إذا عرفت هذا فنقول : من الناس من قال : المراد منه إخفاء تلك الندامة، والسبب في هذا الإخفاء وجوه : الأول : أنهم لما رأوا العذاب الشديد صاروا مبهوتين متحيرين، فلم يطيقوا عنده بكاء ولا صراخاً سوى إسرار الندم كالحال فيمن يذهب به ليصلب فإنه يبقى مبهوتاً متحيراً لا ينطق بكلمة.
الثاني : أنهم أسروا الندامة من سفلتهم وأتباعهم حياء منهم وخوفاً من توبيخهم.
فإن قيل : إن مهابة ذلك الموقف تمنع الإنسان عن هذا التدبير فكيف قدموا عليه.