قلنا : إن هذا الكتمان إنما يحصل قبل الاحتراق بالنار، فإذا احترقوا تركوا هذا الإخفاء وأظهروه بدليل قوله تعالى :﴿قَالُواْ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ [ المؤمنون : ١٠٦ ] الثالث : أنهم أسروا تلك الندامة لأنهم اخلصوا لله في تلك الندامة، ومن أخلص في الدعاء أسره، وفيه تهكم بهم وبإخلاصهم يعني أنهم لما أتوا بهذا الإخلاص في غير وقته ولم ينفعهم، بل كان من الواجب عليهم أن يأتوا به في دار الدنيا وقت التكليف، وأما من فسر الإسرار بالإظهار فقوله : ظاهر لأنهم إنما أخفوا الندامة على الكفر والفسق في الدنيا لأجل حفظ الرياسة، وفي القيامة بطل هذا الغرض فوجب الإظهار.
وثالثها : قوله تعالى :﴿وَقُضِىَ بَيْنَهُمْ بالقسط وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ فقيل بين المؤمنين والكافرين، وقيل بين الرؤساء والأتباع، وقيل بين الكفار بإنزال العقوبة عليهم.
واعلم أن الكفار وإن اشتركوا في العذاب فإنه لا بد وأن يقضي الله تعالى بينهم لأنه لا يمتنع أن يكون قد ظلم بعضهم بعضاً في الدنيا وخانه، فيكون في ذلك القضاء تخفيف من عذاب بعضهم، وتثقيل لعذاب الباقين، لأن العدل يقتضي أن ينتصف للمظلومين من الظالمين، ولا سبيل إليه إلا بأن يخفف من عذاب المظلومين ويثقل في عذاب الظالمين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ٩٠ ـ ٩١﴾