وأما المرتبة الرابعة : فهي أن تصير النفس البالغة إلى هذه الدرجات الروحانية والمعارج الربا نية بحيث تفيض أنوارها على أرواح الناقصين فيض النور من جوهر الشمس على أجرام هذا العالم، وذلك هو المراد بقوله ﴿وَرَحْمَةٌ لّلْمُؤْمِنِينَ﴾ وإنما خص المؤمنين بهذا المعنى، لأن أرواح المعاندين لا تستضيء بأنوار أرواح الأنبياء عليهم السلام، لأن الجسم القابل للنور عن قرص الشمس هو الذي يكون وجهه مقابلاً لوجه الشمس، فإن لم تحصل هذه المقابلة لم يقع ضوء الشمس عليه، فكذلك كل روح لما لم تتوجه إلى خدمة أرواح الأنبياء المطهرين، لم تنتفع بأنوارهم، ولم يصل إليها آثار تلك الأرواح المطهرة المقدسة، وكما أن الأجسام التي لا تكون مقابلة لقرص الشمس مختلفة الدرجات والمراتب في البعد عن هذه المقابلة ولا تزال تتزايد درجات هذا البعد حتى ينتهي ذلك الجسم إلى غاية بعده عن مقابلة قرص الشمس، فلا جرم يبقى خالص الظلمة، فكذلك تتفاوت مراتب النفوس في قبول هذه الأنوار عن أرواح الأنبياء ولا تزال تتزايد حتى تنتهي إلى النفس التي كملت ظلمتها، وعظمت شقاوتها وانتهت في العقائد الفاسدة، والأخلاق الذميمة إلى أقصى الغايات، وأبعد النهايات، فالحاصل أن الموعظة إشارة إلى تطهير ظواهر الخلق عما لا ينبغي وهو الشريعة، والشفاء إشارة إلى تطهير الأرواح عن العقائد الفاسدة والأخلاق الذميمة وهو الطريقة والهدى وهو إشارة إلى ظهور نور الحق في قلوب الصديقين وهو الحقيقة، والرحمة وهي إشارة إلى كونها بالغة في الكمال والإشراق إلى حيث تصير مكملة للناقصين وهي النبوة، فهذه درجات عقلية ومراتب برهانية مدلول عليها بهذه الألفاظ القرآنية لا يمكن تأخير ما تقدم ذكره ولا تقديم ما تأخر ذكره. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ٩٢ ـ ٩٥﴾