قلت : معنى كلامِهما أنه يَؤُول المعنى إلى نفي اتِّباعهم الشركاءَ، والواقعُ أنهم قد اتَّبعوا الشركاء. وجوابه ما تقدَّم من أنَّ المعنى أنهم وإن اتَّبعوا شركاءَ فليسوا بشركاءَ في الحقيقة ؛ بل في تسميتهم هم لهم بذلك، فكأنهم لم يَتَّخذوا شركاءَ ولا اتَّبعوهم لسلب الصفة الحقيقية عنهم، ومثلُه قولُك :" ما رأيتُ رجلاً "، أي : مَنْ يستحقُّ أن يُسَمَّى رجلاً، وإن كنت قد رأيت الذَّكر من بني آدم. ويجوز أن تكونَ " ما " استفهامية، وتكون حينئذٍ منصوبةً بما بعدها، وقد تقدَّم قولُ الزمخشري في ذلك. وقال مكي :" لو جعلتَ " ما " استفهاماً بمعنى الإِنكار والتوبيخ كانت اسماً في موضعِ نصبٍ ب " يتَّبع ". وقال أبو البقاء نحوه.
ويجوزُ أنَ تكونَ " ما " موصولةً بمعنى الذي نسقاً على " مَنْ " في قوله :﴿ ألا إِنَّ للَّهِ مَن فِي السماوات ﴾، قال الزمخشري :" ويجوز أن تكونَ " ما " موصولةً معطوفةً على " مَنْ "، كأنه قيل : وللَّهِ ما يتَّبعه الذين يَدْعون من دونَ الله شركاء، أي : وله شركاؤكم ".
ويجوز أن تكون " ما " هذه الموصولةَ في محل رفع بالابتداء، والخبرُ محذوفٌ تقديرُه : والذي يَتَّبعه المشركون باطلٌ. فهذه أربعةُ أوجهٍ.
وقرأ السلمي " تَدْعُون " بالخطاب، وعزاها الزمخشري لعليّ ابن أبي طالب. قال ابن عطية :" وهي قراءةٌ غيرُ متَّجهة " قلت : قد ذكرِ توجيهَها أبو القاسم، فقال :" ووجهُه أن يُحْمل " وما يتَّبع " على الاستفهام، أي : وأيُّ شيء يتَّبع الذين تَدْعونهم شركاءَ من الملائكة والنبيين، يعني أنهم يتَّبعون الله تعالى ويطيعونه، فما لكم لا تَفْعلون مثلَ فعلِهم كقوله تعالى :﴿ أولئك الذين يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلى رَبِّهِمُ الوسيلة أَيُّهُمْ أَقْرَبُ ﴾ [ الإسراء : ٥٧ ].


الصفحة التالية
Icon