وقال ابن عطية :
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾
لما نص عظمة الله تعالى في الآية المتقدمة عقب ذلك في هذه بالتنبيه على أفعاله لتبين العظمة المحكوم بها قبل، وقوله ﴿ لتسكنوا ﴾ دال على أن النهار للحركة والتصرف، وكذلك هو في الوجود، وذلك أن حركة الليل متعذرة بفقد الضوء، وقوله ﴿ والنهار مبصراً ﴾ مجاز لأن النهار لا يبصر ولكنه ظرف للإبصار، وهذا موجود في كلام العرب إذ المقصود من ذلك مفهوم، فمن ذلك قول ذي الرمة :[ الطويل ]
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى... ونمت وما ليل المطي بنائم
وليس هذا من باب النسب كعيشة راضية ونحوها. وإنما ذلك مثل قول الشاعر :[ الكامل ]
أما النهار ففي قيد وسلسلة... والليل في بيت منحوت من الساج
فجعل الليل والنهار بهاتين الحالتين وليس يريد إلا أنه هو فيهما كذلك، وهذا البيت لمسجون كان يبيت في خشبة السجن، وعلى أن هذا البيت قد ينشد " أما النهار " بالنصب، وفي هذه الألفاظ إيجاز وإحالة على ذهن السامع لأن العبرة هي في أن الليل مظلم يسكن فيه والنهار مبصر يتصرف فيه، فذكر طرف من هذا والطرف الآخر من الجهة الثانية ودل المذكوران على المتروكين، وهذا كما في قوله تعالى :﴿ ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع ﴾ [ البقرة : ١٧١ ]. وقوله ﴿ يسمعون ﴾ يريد ويعون. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon