وقال الآلوسى :
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ﴾
تنبيه على تفرده تعالى بالقدرة الكاملة والنعمة الشاملة ليدلهم على توحده سبحانه باستحقاق العبادة فتعريف الطرفين للقصر وهو قصر تعيين، وفي ذلك أيضاً تقرير لما سلف من كون جميع الموجودات الممكنة تحت قدرته وملكته المفصح عن اختصاص العزة به سبحانه.
والجعل إن كان بمعنى الإبداع والخلق فمبصراً حال وإن كان بمعنى التصيير فلكم المفعول الثاني أو حال كما فيي الوجه الأول فالمفعول الثاني ﴿ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ ﴾ أو هو محذوف يدل عليه المفعول الثاني من الجملة الثانية كما أن العلة الغائية منها محذوفة اعتماداً على ما في الأولى، والتقدير هو الذي جعل لكم الليل مظلماً لتسكنوا فيه والنهار مبصراً لتتحركوا فيه لمصالحكم فحذف من كل ما ذكر في الآخر اكتفاءً بالمذكور عن المتروك ؛ وفيه على هذا صنعة الاحتباك والآية شائعة في التمثيل بها لذلك وهو الظاهر فيها وإن كان أمراً غير ضروري، ومن هنا ذهب جمع إلى أنه لا احتباك فيها، والعدول عن لتبصروا فيه الذي يقتضيه ما قبل إلى ما في النظم الجليل للتفرقة بين الظرف المجرور والظرف الذي هو سبب يتوقف عليه في الجملة وإسناد الإبصار إلى النهار مجازي كالذي في قول جرير
: لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى...
ونمت وما ليل المطي بنائم
وقولهم : نهاره صائم وغير ذلك مما لا يحصي كثرة.
وإلى هذا ذهب ابن عطية.


الصفحة التالية