لذلك أقول دائماً : خذوا الحضارة بقواعد التحضير لها ؛ لأننا يجب أن نتيح للفلاح أن يذهب إلى حقله والعامل إلى مصنعه ؛ لأن السهر ضار، وإذا ادَّعى الإنسان أنه هو الذي تحضَّر، فليحترم قيمة العمل الذي يصنع الحضارة ؛ لأن الآلة التي يسهر لمراقبتها ومشاهدتها هي إنتاج أناس يلتزمون بقواعد الحضارة ؛ واحترام قيمة العمل في النهار، وقيمة الترفيه في الوقت المخصص.
نحن نسيء استخدام أدوات الحضارة، فالزمن الذي وفَّرته الثلاجة للزوجة ؛ حتى لاتقف في المطبخ نصف النهار لتعد الطعام، وصارت تطهو وجبات ثلاثة أيام وتحفظها في الثلاجة، وتستخدم الغسالة الكهربائية فتنهي الغسيل في ساعة من الزمن، لكن بقية الوقت يضيع أمام ( التلفزيون ) ولا تلتفت إلى تربية الأبناء.
وهكذا يسيء البعض استخدام الآلات المتحضرة، وفي هذه الإساءة نوع من التخلف، فإذا أخذنا الحضارة بمنطقية فهذا هو التحضر.
وعلى سبيل المثال : أقول لمن يركب سيارة : إياك أن تسرع بها في طريق متربة حتى لا يثور الغبار ويملأ صدور الناس بالحساسية.
وإياك أن تهمل صيانة سيارتك حتى لا يفسد الموتور ؛ ويخرج العادم الضار بصحة الناس والبيئة، فلا يسافر الإنسان في الطريق المتربة أو بسيارة غير جيدة الصاينة ؛ فيصيب صدور الناس بالمرض، ويصيب الزروع ويفسد الهواء.
ويجب ألاَّ نأخذ الحضارة بتلصص، إنما علينا أن نرتقي إلى مدارجها بصيانة أساليبها ؛ لأن من لا يأخذ الحضارة بقواعدها هو من يتخلف رغم تقدُّم الآلة، فتصير الآلة أكثر تحضُّراً منه.
إذن : فإن أخذنا كل أمر بمهمته فحن نحقق الراحة لأنفسنا ولغيرنا.
ولذلك قلنا في تفسير قول الحق سبحانه :
﴿ واليل إِذَا يغشى * والنهار إِذَا تجلى ﴾ [ الليل : ١٢ ].