وإن بدا للإنسان أن هناك تعارضاً بين غشيان الليل ( أي : تغطيته للمرئيات ) وتجلِّى النهار ( أي : كشف المرئيات ) فهذا ليس تعارضاً، بل هو التكامل ؛ لأن حركة النهار تتولد من الليل، وراحة الليل تتولد من النهار.
ثم يقول الحق سبحانه :
﴿ وَمَا خَلَقَ الذكر والأنثى ﴾ [ الليل : ٣ ].
وهذا الخلق للذكر والأنثى هو للتكامل، لا للتناقض، هكذا جاء الحق سبحانه بنوعين :
الأول : هو الزمن ليلاً ونهاراً.
والثاني : هو الإنسان ذكراً وأنثى.
ويقول الحق سبحانه :﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى ﴾ [ الليل : ٤ ].
أي : أن حركتكم هي الموصِّلة إلى غايتكم، والحركات شتى ( أي : مختلفة )، سواء في الليل أو النهار أو للذكر أو للأنثى، فإن خلطنا الحركة وعبثنا بأنظمة الحياة، فالحياة ترتبك، ونعاني من مرارة التجربة إلىأن تتعقد الأمور، فنبحث لها عن حلول.
وقد نادينا أن تعمل المرأة نصف الوقت لتعطي البيت بعضاً من الوقت، أو أن تعتني بالبيت إن كان لها ما يكفيها من دخل، أو كان لزوجها ما يكفي لحياة الأسرة، ولكن أحداً لم يلتفت إلى ذلك إلا بعد مرارة التجارب.
وهناك مثال آخر : في قول البعض أن الليل في تلك البلاد المتحضِّرة لا ينتهي وأنت تجد السهر هناك حتى الصباح، وعندما أسمع مثل هذا القول أقول : إن هذا ليس في مصلحة سكان تلك البلاد ؛ لأن الليل يجب أن يكون سباتاً لتأتي الحركة المنتجة في النهار.
إذن : فالآفة أن تنقل مهمة نوع إلى مهمة نوع آخر، سواء أكان في الزمان أو في الإنسان، واقرأ جيداً قول الحق سبحانه :
﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لشتى ﴾ [ الليل : ٤ ].
فكل فرد من أفراد الكون له مهمة وله سعي يختلف عن سعي الآخرين.
وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يُنهي الحق سبحانه الآية فيقول :
﴿ إِنَّ فِي ذلك لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ﴾ [ يونس : ٦٧ ].
ولقائل أن يقول : لم يقل " إن في ذلك لآيات لقوم يبصرون ".


الصفحة التالية
Icon