وقال أبو السعود :
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا ﴾ أي أرسلنا ﴿ مِن بَعْدِهِ ﴾ أي من بعد نوحٍ عليه السلام ﴿ رُسُلاً ﴾ التنكير للتفخيم ذاتاً ووصفاً أي رسلاً كراماً ذوي عددٍ كثير ﴿ إلى قَوْمِهِمْ ﴾ أي إلى أقوامهم لكن لا بأن أرسلنا كلَّ رسولٍ منهم إلى أقوام الكل أو إلى قوم ما، أيَّ قومٍ كانوا بل كلُّ رسولٍ إلى قومه خاصة مثلُ هودٍ إلى عاد وصالحٍ إلى ثمودَ وغير ذلك ممن قُصَّ منهم ومن لم يُقَصّ ﴿ فَجَاءوهُم ﴾ أي جاء كلُّ رسولٍ قومَه المخصوصين به ﴿ بالبينات ﴾ أي المعجزات الواضحةِ الدالةِ على صدق ما قالوا والباءُ إما متعلقةٌ بالفعل المذكورِ على أنها للتعدية أو بمحذوف وقع حالاً من ضمير جاءوا أي ملتبسين بالبينات، لكن لا بأن يأتيَ كلُّ رسولٍ ببينة واحدة بل ببينات كثيرة خاصةٍ به معينةٍ له حسب اقتضاءِ الحِكمة فإنَّ مراعاةَ انقسامِ الآحاد إلى الآحاد إنما هي فيما بين ضميري جاءوهم كما أشير إليه ﴿ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ ﴾ بيانٌ لاستمرار عدمِ إيمانهم في الزمان الماضي لا لعدم استمرارِ إيمانِهم كما مر مثلُه في هذه السورة الكريمة غيرَ مرة أي فما صح وما استقام لقوم من أولئك الأقوامِ في وقت من الأوقات أن يؤمنوا بل كان ذلك ممتنعاً منهم لشدة شكيمتِهم في الكفر والعناد، ثم إن كان المحكيُّ آخرَ حال كلِّ قومٍ حسبما يدل عليه حكايةُ قوم نوحٍ فالمراد بعدم إيمانِهم المذكورِ هاهنا إصرارُهم على ذلك بعد اللتيا والتي وبما أشير إليه في قوله عز وجل :﴿ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ ﴾ تكذيبُهم من حيث مجيءِ الرسلِ إلى زمان الإصرارِ والعناد وإنما لم يُجعل ذلك مقصوداً بالذات كالأول حيث جُعل صلةً للموصول إيذاناً بأنه بيِّنٌ بنفسه غنيٌّ عن البيان، وإنما المحتاجُ إلى ذلك عدمُ إيمانِهم بعد تواترِ البيناتِ الظاهرةِ وتظاهُرِ المعجزاتِ الباهرةِ التي كانت تَضْطَرُّهم إلى القَبول لو كانوا من أصحاب العقول، والموصولُ الذي تعلق به الإيمانُ