والتكذيب سلباً وإيماناً عبارةٌ عن جميع الشرائعِ التي جاء بها كلُّ رسولٍ أصولِها وفروعِها.
وإن كان المحكيُّ جميعَ أحوالِ كل قومٍ منهم فالمرادُ بما ذُكر أولاً كفرُهم المستمرُّ من حين مجيءِ الرسلِ إلى آخره، وبما أشير إليه آخراً تكذيبُهم قبل مجيئِهم فلا بد من كون الموصولِ المذكور عبارةً عن أصول الشرائعِ التي أجمعت عليها الرسلُ قاطبةً ودعَوا أممَهم إليها آثرَ ذي أثيرٍ لاستحالة تبدلِها وتغيرها مثلُ ملة التوحيد ولوازمِها، ومعنى تكذيبهم بها قبل مجيء رسلهم أنهم ما كانوا في زمن الجاهلية بحيث لم يسمعوا بكلمة التوحيد قط بل كان كلُّ قومٍ من أولئك الأقوام يتسامعون بها من بقايا من قبلهم كثمودَ من بقايا عادٍ وعادٍ من بقايا قوم نوحٍ عليه السلام فيكذبونها ثم كانت حالتُهم بعد مجيء الرسلِ كحالتهم قبل ذلك كأن لم يُبعث إليهم أحدٌ، وتخصيصُ التكذيبِ وعدمِ الإيمان بما ذكر من الأصول لظهور حال الباقي بدِلالة النص، فإنهم حيث لم يؤمنوا بما أجمعت عليه كافةُ الرسلِ فلأَن لا يؤمنوا بما تفرَّد به بعضُهم أولى، وعدمُ جعل هذا التكذيبِ مقصوداً بالذات لِما أن عليه يدورُ أمرُ العذابِ والعقابِ عند اجتماعِ المكذِّبين هو التكذيبُ الواقعُ بعد الدعوةِ حسبما يُعرب عنه قوله تعالى :