وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ ﴾
أمره عليه السلام أن يذكّرهم أقاصيص المتقدّمين، ويخوّفهم العذاب الأليم على كفرهم.
وحذفت الواو من "اتل" لأنه أمر ؛ أي اقرأ عليهم خبر نوح.
﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ ﴾ "إذ" في موضع نصب.
﴿ ياقوم إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ ﴾ أي عظم وثقل عليكم.
﴿ مَّقَامِي ﴾ المقام ( بفتح الميم ) : الموضع الذي يقوم فيه.
والمُقام ( بالضم ) الإقامة.
ولم يُقرأ به فيما علمت ؛ أي إن طال عليكم لُبْثي فيكم.
﴿ وَتَذْكِيرِي ﴾ إياكم، وتخْويفي لكم.
﴿ بِآيَاتِ الله ﴾ وعزمتم على قتلي وطردي.
﴿ فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ ﴾ أي اعتمدت.
وهذا هو جواب الشرط، ولم يزل عليه السلام متوكلاً على الله في كل حال، ولكن بيّن أنه متوكل في هذا على الخصوص ليعرف قومه أن الله يكفيه أمرهم ؛ أي إن لم تنصروني فإني أتوكّل على من ينصرني.
قوله تعالى :﴿ فأجمعوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ﴾ قراءة العامة "فَأَجْمِعُوا" بقطع الألف "شُرَكَاءَكُمْ" بالنصب.
وقرأ عاصم الجَحْدرِيّ "فاجمعوا" بوصل الألف وفتح الميم ؛ من جَمع يجمع.
"شُرَكَاءَكُمْ" بالنصب.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق ويعقوب "فأجمِعوا" بقطع الألف "شركاؤكم" بالرفع.
فأما القراءة الأُولى من أجمع على الشيء إذا عزم عليه.
وقال الفراء : أجمع الشيء أعدّه.
وقال المؤرّج : أجمعت الأمر أفصح من أجمعت عليه.
وأنشد :
يا ليت شعري والمُنَى لا تنفع...
هل أَغْدُوَنْ يوماً وأمري مُجْمَعُ
قال النحاس : وفي نصب الشركاء على هذه القراءة ثلاثة أوجه ؛ قال الكسائي والفراء : هو بمعنى وادعوا شركاءكم لنصرتكم ؛ وهو منصوب عندهما على إضمار هذا الفعل.
وقال محمد بن يزيد : هو معطوف على المعنى ؛ كما قال :
يا ليت زوجَك في الوَغَى...
متقلّدا سَيْفاً ورُمْحاً
والرمح لا يُتقلّد، إلا أنه محمول كالسيف.