فصل


قال الفخر :
واعلم أن القوم لما ذكروا هذه المعاني حاولوا بعد ذلك، وأرادوا أن يعارضوا معجزة موسى عليه السلام بأنواع من السحر، ليظهروا عند الناس أن ما أتى به موسى من باب السحر، فجمع فرعون السحرة وأحضرهم، ﴿قَالَ لَهُمُ موسى أَلْقُواْ مَا أَنتُمْ مُّلْقُونَ ﴾.
فإن قيل : كيف أمرهم بالكفر والسحر والأمر بالكفر كفر ؟
قلنا : إنه عليه السلام أمرهم بإلقاء الحبال والعصي، ليظهر للخلق أن ما أتوا به عمل فاسد وسعي باطل، لا على طريق أنه عليه السلام أمرهم بالسحر، فلما ألقوا حبالهم وعصيهم قال لهم موسى ما جئتم به هو السحر الباطل، والغرض منه أن القوم قالوا لموسى : إن ما جئت به سحر، فذكر موسى عليه السلام أن ما ذكرتموه باطل، بل الحق أن الذي جئتم به هو السحر والتمويه الذي يظهر بطلانه، ثم أخبرهم بأن الله تعالى يحق الحق ويبطل الباطل، وقد أخبر الله تعالى في سائر السور أنه كيف أبطل ذلك السحر، وذلك بسبب أن ذلك الثعبان قد تلقف كل تلك الحبال والعصي.
المسألة الثانية :
قوله :﴿مَا جِئْتُمْ بِهِ السحر﴾ ما ههنا موصولة بمعنى الذي وهي مرتفعة بالابتداء، وخبرها السحر، قال الفراء : وإنما قال :﴿السحر﴾ بالألف واللام، لأنه جواب كلام سبق ألا ترى أنهم قالوا : لما جاءهم موسى هذا سحر، فقال لهم موسى : بل ما جئتم به السحر، فوجب دخول الألف واللام، لأن النكرة إذا عادت عادت معرفة، يقول الرجل لغيره : لقيت رجلاً فيقول له من الرجل فيعيده بالألف واللام، ولو قال له من رجل لم يقع في فهمه أنه سأله عن الرجل الذي ذكره له.
وقرأ أبو عمرو :﴿السحر﴾ بالاستفهام، وعلى هذه القراءة ما استفهامية مرتفع بالابتداء، وجئتم به في موضع الخبر كأنه قيل : أي شيء جئتم به.
ثم قال على وجه التوبيخ والتقريع :﴿السحر﴾ كقوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon