ولما كان قوم نوح أول الأمم هلاكاً وأعظمهم كفراً وجحوداً ذكر الله قصتهم وأنه أهلكهم بالغرق ليصير ذلك موعظة وعبرة لكفار قريش، فقال سبحانه وتعالى واتل عليهم نبأ نوح يعني واقرأ على قومك يا محمد خبر قوم نوح ﴿ إذ قال لقومه يا قوم ﴾ وهو بنو قابيل ﴿ إن كان كبر ﴾ يعني ثقل ﴿ عليكم مقامي ﴾ يعني فيكم ﴿ وتذكيري بآيات الله ﴾ يعني : ووعظي إياكم بآيات الله : وقيل : معناه إن كان ثقل وشق عليكم طول مقامي فيكم وذلك أنه أقام فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله تعالى ويذكرهم بآيات الله وهو قوله وتذكيري بآيات الله يعني ووعظي بآيات الله وحججه وبيناته فعزمتم على قتلي وطردي ﴿ فعلى الله توكلت ﴾ يعني فهو حسبي وثقتي ﴿ فأجمعوا أمركم ﴾ يعني فأحكموا أمركم واعزموا عليه، قال الفراء : الإجماع الإعداد والعزيمة على الأمر قال ابن الأنباري : المراد من الأمر هنا وجوه كيدهم وكرهم فالتقدير لا تدعوا من أمركم شيئاً إلا أحضرتموه ﴿ وشركاءكم ﴾ يعني وادعوا شركاءكم يعني آلهتكم فاستعينوا بها لتجمع معكم وتعينكم على مطلوبكم وإنما حثهم على الاستعانة بالأصنام بناء على مذهبهم واعتقادهم أنها تضر وتنقع مع اعتقاده أنها جماد لا تضر ولا تنفع فهو كالتبكيت والتوبيخ لهم ﴿ ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ﴾ يعني لا يكن أمركم عليكم خفياً مبهماً ولكن ليكن أمركم ظاهراً منكشفاً من قولهم غم الهلال فهو مغموم إذا خفي والتبس على الناس ﴿ ثم اقضوا ﴾ ثم امضوا ﴿ إليّ ﴾ بما في أنفسكم من مكروه وما توعدوني به من قتل وطرد وافرغوا منه تقول العرب قضى فلان إذا مات ومضى وقيل معناه ثم اقضوا ما أنتم قاضون ﴿ ولا تنظرون ﴾ أي : ولا تؤخروني ولا تمهلوني بعد إعلامكم إياي ما أنتم عليه وهذا الكلام من نوح عليه الاسلام على طريق التعجيز لهم أخبر الله عن نوح عليه السلام أنه كان قد بلغ الغاية في التوكل على الله وأنه كان واثقاً بنصره غير خائف من كيدهم علماً منه بأنهم
وآلهتهم ليس لهم نفع ولا ضر وإن مكرهم لا يصل إليه. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ٣ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon