وقال أبو حيان :
﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ ﴾
لما ذكر تعالى الدلائل على وحدانيته، وذكر ما جرى بين الرسول وبين الكفار، ذكر قصصاً من قصص الأنبياء وما جرى هم مع قومهم من الخلاف وذلك تسلية للرسول ( ﷺ )، وليتأسى بمن قبله من الأنبياء فيخف عليه ما يلقى منهم من التكذيب وقلة الاتباع، وليعلم المتلوّ عليهم هذا القصص عاقبة من كذب الأنبياء، وما منح الله نبيه من العلم بهذا القصص وهو لم يطالع كتاباً ولا صحب عالماً، وأنها طبق ما أخبر به.
فدل ذلك على أن الله أوحاه إليه وأعلمه به، وأنه نبي لا شك فيه.
والضمير في عليهم عائد على أهل مكة الذين تقدم ذكرهم.
وكبر معناه عظم مقامي أي : طول مقامي فيكم، أو قيامي للوعظ.
كما يحكى عن عيسى عليه السلام أنه كان يعظ الحواريين قائماً ليروه وهم قعود، وكقيام الخطيب ليسمع الناس وليروه، أو نسب ذلك إلى مقامه والمراد نفسه كما تقول : فعلت كذا لمكان فلان، وفلان ثقيل الظل تريد لأجل فلان وفلان ثقيل.
قال ابن عطية : ولم يقرأ هنا بضم الميم انتهى.
وليس كما ذكر، بل قرأ مقامي بضم الميم أبو مجلز وأبو رجاء وأبو الجوزاء.
والمقام الإقامة بالمكان، والمقام مكان القيام.
والتذكير وعظه إياهم وزجرهم عن المعاصي، وجواب الشرط محذوف تقديره : فافعلوا ما شئتم.
وقيل : الجواب فعلى الله توكلت.
وفأجمعوا معطوف على الجواب، وهو لا يظهر لأنه متوكل على الله دائماً.
وقال الأكثرون : الجواب فأجمعوا، وفعلى الله توكلت جملة اعتراض بين الشرط وجزائه كقوله :
أما تريني قد نحلت ومن يكن...
غرضاً لأطراف الأسنة ينحل
فلرب أبلج مثل ثقلك بادن...
ضخم على ظهر الجواد مهبل
وقرأ الجمهور : فأجمعوا من أجمع الرجل الشيء عزم عليه ونواه.
قال الشاعر :
أجمعوا أمرهم بليل فلما...
أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء
وقال آخر :
يا ليت شعري والمنى لا تنفع...
هل أعذرت يوماً وأمري مجمع


الصفحة التالية
Icon