وذهب بعضهم إلى أن جواب الشرط محذوف أقيم ما ذكر وهو علته مقامه أي فلا باعث لكم على التولي ولا موجب له أو فلا ضير علي بذلك، وكلام البعض مشعر بأنه مع اعتبار الحذف والإقامة المذكورين يجىء حديث اعتبار سببية الشرط للإعلام وهو الذي يميل إليه الذوق و﴿ مِنْ ﴾ زائدة للتأكيد أي فما سألتكم أجراً، وقوله تعالى :﴿ إِنْ أَجْرِىَ إِلاَّ عَلَى الله ﴾ تأكيد لما قبله على المعنى الأول وتعليل لاستغنائه عليه السلام على المعنى الثاني أي ما ثوابي على العظة والتذكير إلا عليه تعالى يثبني بذلك آمنتم أو توليتم، وقوله سبحانه :﴿ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين ﴾ تذييل على ما قيل لمضمون ما قبله مقرر له، والمعنى وأمرت بأن أكون منتظماً في عداد المسلمين الذين لا يأخذون على تعليم الدين شيئاً ولا يطلبون به دنيا، وفيه حمل الإسلام على ما يسارق الإيمان واعتبار التقييد، وعدل عنه بعضهم لما فيه من نوع تكلف فحمل الإسلام على الاستسلام والانقياد ولم يقيد، أي وأمرت بأن أكون من جملة المنقادين لحكمه تعالى لا أخالف أمره ولا أرجو غيره، وفيه على هذا المعنى أيضاً من تأكيد ما تقدم وتقرير مضمونه ما لا يخفى، ولا يظهر أمر التأكيد على تقدير أن يكون المعنى من المستسلمين لكل ما يصيب من البلاء في طاعة الله تعالى ظهوره على التقديرين السابقين، وبالجملة أنه عليه السلام لم يقصر في إرشادهم بهذا الكلام وبلغ الغاية القصوى فيه.
وذكر بعضهم وجه نظمه على هذا الأسلوب على بعض الأوجه المحتملة فقال : إنه عليه الصلاة والسلام قال في أول الأمر :﴿ فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ ﴾ [ يونس : ٧١ ] فبين وثوقه بربه سبحانه أي إني وثقت به فلا تظنوا بي أن تهديدكم إياي بالقتل والإيذاء يمنعني من الدعاء إلى الله تعالى، ثم أورد عليهم ما يدل على صحة دعواه فقال :


الصفحة التالية