وقال الشيخ الشعراوى :
﴿ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ ﴾
أي : إن توليتم عن دعوتي لعبادة الإله الحق، فأنا أدعوكم إلى مثيل لكم هو أنا، بل أدعوكم إلى من هو فوقي وفوقكم، فأنا لا أريد أن أستولي على السلطة الزمنية منكم، ولا أبحث عن جاهٍ، فالجاه كله لله تعالى.
والله لا يحتاج إلى جاهٍ منكم لأن جاهه سبحانه ذاتي فيه، ولكن لنمنع جبروتكم وتجبُّركم ؛ لتعيشوا على ضوء المنهج الحق ؛ لتكون حياتكم صالحة، وكل ذلك لمصلحتكم.
﴿ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ ﴾ [ يونس : ٧٢ ] فهل يُمَالىء نوح عليه السلام أعداءه.
إن الإنسان يُمَالىء العدو ؛ لأن يخاف أن يوقع به شرّاً، ونوح عليه السلام لا يخافهم ؛ لأنه يعتمد على الله تعالى وحده، بل هو يدلُّهم على مواطن القوة فيهم، وهو يعلم أن قوتهم محدودة، وأن شرهم مهما بلغ فهو غير نافذ، وقد لا يكون منهم شر على الإطلاق، فهل هناك نفعٌ سيعود على نوح عليه السلام ويُمنَع عنه؟
لا ؛ لأنه يعلن أنه لا يأخذ أجراً على دعوته.
هم إذن لا يقدرون على ضُرِّه، ولا يقدرون على نفعه، وهو لا يريد منهم نفعاً ؛ لأن مركزه بإيمانه بالله الذي أرسله مركزٌ قويٌّ.
وهو لا يسألهم أجراً، وكلمة " أجر " تعني : ثمن المنفعة، والأثمان تكون عادة في المعاوضات، إما أن تكون ثمناً للأعيان والذوات، وإما أن تكون ثمناً للمنفعة.
ومثال ذلك : أن إنساناً يرغب في شراء " شقة " في بيت فيذهب إلى رجل يملك بيتاً، ويطلب منه أن يبيع له عدداً من الأسهم بقيمة الشقة.
وهناك آخر يريد أن يستأجر شقة فيذهب إلى صاحب البيت ؛ ليدفع له قيمة إيجار شقة في البيت، اي : يدفع له قيمة الانتفاع بالشقة، والأجر لا يُدفع إلا لطلب منفعة مُلِحَّة.


الصفحة التالية
Icon