فصل


قال الفخر :
﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ﴾
اعلم أن المراد : ثم بعثنا من بعد نوح رسلاً ولم يسمهم، وكان منهم هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب صلوات الله عليهم أجمعين بالبينات، وهي المعجزات القاهرة، فأخبر تعالى عنهم أنهم جروا على منهاج قوم نوح في التكذيب، ولم يزجرهم ما بلغهم من إهلاك الله تعالى المكذبين من قوم نوح عن ذلك، فلهذا قال :﴿فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ﴾ وليس المراد عين ما كذبوا به، لأن ذلك لم يحصل في زمانه بل المراد بمثل ما كذبوا به من البينات، لأن البينات الظاهرة على الأنبياء عليهم السلام أجمع كأنها واحدة.
ثم قال تعالى :﴿كَذَلِكَ نَطْبَعُ على قُلوبِ المعتدين﴾ واحتج أصحابنا على أن الله تعالى قد يمنع المكلف عن الإيمان بهذه الآية وتقريره ظاهر.
قال القاضي : الطبع غير مانع من الإيمان بدليل قوله تعالى :﴿بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [ النساء : ١٥٥ ] ولو كان هذا الطبع مانعاً لما صح هذا الاستثناء.
والجواب : أن الكلام في هذه المسألة قد سبق على الاستقصاء في تفسير قوله تعالى :﴿خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ وعلى سَمْعِهِمْ﴾ [ البقرة : ٧ ] فلا فائدة في الإعادة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ١١٣﴾


الصفحة التالية
Icon