إذا عرفت هذا فنقول : أما الوجه الأول : وهو حمل اللام على لام العاقبة فضعيف، لأن موسى عليه السلام ما كان عالماً بالعواقب.
فإن قالوا : إن الله تعالى أخبره بذلك ؟
قلنا : فلما أخبر الله عنهم أنهم لا يؤمنون كان صدور الإيمان منهم محالاً، لأن ذلك يستلزم انقلاب خبر الله كذباً وهو محال والمفضى إلى المحال محال.
وأما الوجه الثاني : وهو قولهم يحمل قوله ﴿ليضلوا عن سبيلك﴾ على أن المراد لئلا يضلوا عن سبيلك فنقول : إن هذا التأويل ذكره أبو علي الجبائي في تفسيره.
وأقول : إنه لما شرع في تفسيره قوله تعالى :﴿ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك﴾ [ النساء : ٧٩ ] ثم نقل عن بعض أصحابنا أنه قرأ ﴿فمن نفسك﴾ على سبيل الاستفهام بمعنى الإنكار، ثم إنه استبعد هذه القراءة وقال إنها تقتضي تحريف القرآن وتغييره وتفتح باب تأويلات الباطنية وبالغ في إنكار تلك القراءة وهذا الوجه الذي ذكره ههنا شر من ذلك، لأنه قلب النفي إثباتاً والإثبات نفياً وتجويزه يفتح باب أن لا يبقى الاعتماد على القرآن لا في نفيه ولا في إثباته وحينئذ يبطل القرآن بالكلية هذا بعينه هو الجواب عن قوله المراد منه الاستفهام بمعنى الإنكار، فإن تجويزه يوجب تجويز مثله في سائر المواطن، فلعله تعالى إنما قال :
﴿أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة﴾ [ البقرة : ٤٣ ] على سبيل الإنكار والتعجب وأما بقية الجوابات فلا يخفى ضعفها.
ثم إنه تعالى حكى عن موسى عليه السلام أنه قال :﴿رَبَّنَا اطمس على أموالهم﴾ وذكرنا معنى الطمس عند قوله تعالى :﴿مّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً﴾ [ النساء : ٤٧ ] والطمس هو المسخ.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : بلغنا أن الدراهم والدنانير، صارت حجارة منقوشة كهيئتها صحاحاً وأنصافاً وأثلاثاً، وجعل سكرهم حجارة.
ثم قال :﴿واشدد على قُلُوبِهِمْ﴾ ومعنى الشد على القلوب الاستيثاق منها حتى لا يدخلها الإيمان.