واعلم أن من توكل على الله في كل المهمات كفاه الله تعالى كل الملمات لقوله :﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [ الطلاق : ٣ ].
المسألة الثانية :
أن هذا الذي أمر موسى قومه به وهو التوكل على الله هو الذي حكاه الله تعالى عن نوح عليه السلام أنه قال :﴿فَعَلَى الله تَوَكَّلْتُ﴾ [ يونس : ٧١ ] وعند هذا يظهر التفاوت بين الدرجتين لأن نوحاً عليه السلام وصف نفسه بالتوكل على الله تعالى، وموسى عليه السلام أمر قومه بذلك فكان نوح عليه السلام تاماً، وكان موسى عليه السلام فوق التمام.
المسألة الثالثة :
إنما قال :﴿فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ﴾ ولم يقل توكلوا عليه، لأن الأول يفيد الحصر كأنه عليه السلام أمرهم بالتوكل عليه ونهاهم عن التوكل على الغير، والأمر كذلك، لأنه لما ثبت أن كل ما سواه فهو ملكه وملكه وتحت تصرفه وتسخيره وتحت حكمه وتدبيره، امتنع في العقل أن يتوكل الإنسان على غيره، فلهذا السبب جاءت هذ الكلمة بهذه العبارة، ثم بين تعالى أن موسى عليه السلام لما أمرهم بذلك قبلوا قوله :﴿فَقَالُواْ عَلَى الله تَوَكَّلْنَا﴾ أي توكلنا عليه، ولا نلتفت إلى أحد سواه، ثم لما فعلوا ذلك اشتغلوا بالدعاء، فطلبوا من الله تعالى شيئين : أحدهما : أن قالوا :﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظالمين﴾ وفيه وجوه : الأول : أن المراد لا تفتن بنا فرعون وقومه لأنك لو سلطتهم علينا لوقع في قلوبهم أنا لو كنا على الحق لما سلطتهم علينا، فيصير ذلك شبهة قوية في إصرارهم على الكفر فيصير تسليطهم علينا فتنة لهم.
الثاني : أنك لو سلطتهم علينا لاستوجبوا العقاب الشديد في الآخرة وذلك يكون فتنة لهم.
الثالث :﴿لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لَهُمْ﴾ أي موضع فتنة لهم، أي موضع عذاب لهم.