الرابع : أن يكون المراد من الفتنة المفتون، لأن إطلاق لفظ المصدر على المفعول جائز، كالخلق بمعنى المخلوق، والتكوين بمعنى المكون، والمعنى : لا تجعلنا مفتونين، أي لا تمكنهم من أن يحملونا بالظلم والقهر على أن ننصرف عن هذا الدين الحق الذي قبلناه، وهذا التأويل متأكد بما ذكره الله تعالى قبل هذه الآية وهو قوله :
﴿فَمَا ءامَنَ لموسى إِلاَّ ذُرّيَّةٌ مّن قَوْمِهِ على خَوْفٍ مّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ﴾ [ يونس : ٨٣ ] وأما المطلوب الثاني في هذا الدعاء فهو قوله تعالى :﴿وَنَجّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القوم الكافرين ﴾.
واعلم أن هذا الترتيب يدل على أنه كان اهتمام هؤلاء بأمر دينهم فوق اهتمامهم بأمر دنياهم، وذلك لأنا إن حملنا قولهم :﴿رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظالمين﴾ على أنهم إن سلطوا على المسلمين صار ذلك شبهة لهم في أن هذا الدين باطل فتضرعوا إلى الله تعالى في أن يصون أولئك الكفار عن هذه الشبهة وقدموا هذا الدعاء على طلب النجاة لأنفسهم، وذلك يدل على أن عنايتهم بمصالح دين أعدائهم فوق عنايتهم بمصالح أنفسهم وإن حملناه على أن لا يمكن الله تعالى أولئك الكفار من أن يحملوهم على ترك هذا الدين كان ذلك أيضاً دليلاً على أن اهتمامهم بمصالح أديانهم فوق اهتمامهم بمصالح أبدانهم وعلى جميع التقديرات فهذه لطيفة شريفة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ١١٦ ـ ١١٨﴾


الصفحة التالية
Icon