وقال ابن جبير : غشيهم العذاب كما يغشي الثوب القبر، فلما صحت توبتهم رفع الله عنهم العذاب.
وقال الطبري : خص قوم يونس من بين سائر الأُمم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب ؛ وذكر ذلك عن جماعة من المفسرين.
وقال الزجاج : إنهم لم يقع بهم العذاب، وإنما رأُوا العلامة التي تدلّ على العذاب، ولو رأُوا عين العذاب لما نفعهم الإيمان.
قلت : قول الزجاج حسن : فإن المعاينة التي لا تنفع التوبة معها هي التلبس بالعذاب كقصة فرعون، ولهذا جاء بقصة قوم يونس على أثر قصة فرعون لأنه آمن حين رأى العذاب فلم ينفعه ذلك، وقوم يونس تابوا قبل ذلك.
ويَعْضُد هذا قوله عليه السلام :" إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر "
والغرغرة الحشرجة، وذلك هو حال التلبس بالموت، وأما قبل ذلك فلا.
والله أعلم.
وقد روى معنى ما قلناه عن ابن مسعود، أن يونس لما وعدهم العذاب إلى ثلاثة أيام خرج عنهم فأصبحوا فلم يجدوه فتابوا وفرقوا بين الأُمهات والأولاد ؛ وهذا يدلّ على أن توبتهم قبل رؤية علامة العذاب.
وسيأتي مسنداً مبيّناً في سورة "والصافات" إن شاء الله تعالى.
ويكون معنى ﴿ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي ﴾ أي العذاب الذي وعدهم به يونس أنه ينزل بهم، لا أنهم رأُوه عِيانا ولا مخايلة ؛ وعلى هذا لا إشكال ولا تعارض ولا خصوص، والله أعلم.
وبالجملة فكان أهل نينوى في سابق العلم من السعداء.
ورُوي عن عليّ رضي الله عنه أنه قال : إن الحذر لا يردّ القدر، وإن الدعاء ليرد القدر.
وذلك أن الله تعالى يقول :﴿ إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا ﴾.
قال علي رضي الله عنه : وذلك يوم عاشوراء.
قوله تعالى :﴿ وَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ ﴾ قيل : إلى أجلهم ؛ قاله السُّدّي وقيل : إلى أن يصيروا إلى الجنة أو إلى النار، قاله ابن عباس. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٨ صـ ﴾