احتج أصحابنا على صحة قولهم أنه لا حكم للأشياء قبل ورود الشرع بقوله :﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ قالوا وجه الاستدلال به أن الإذن عبارة عن الإطلاق في الفعل ورفع الحرج وصريح هذه الآية يدل على أنه قبل حصول هذا المعنى ليس له أن يقدم على هذا الإيمان، ثم قالوا : والذي يدل عليه من جهة العقل وجوه : الأول : أن معرفة الله تعالى والاشتغال بشكره والثناء عليه لا يدل العقل على حصول نفع فيه، فوجب أن لا يجب ذلك بحسب العقل، بيان الأول أن ذلك النفع إما أن يكون عائداً إلى المشكور أو إلى الشاكر والأول باطل لأن في الشاهد المشكور ينتفع بالشكر فيسره الشكر ويسوءه الكفران، فلا جرم كان الشكر حسناً والكفران قبيحاً، أما الله سبحانه فإنه لا يسره الشكر ولا يسوءه الكفران، فلا ينتفع بهذا الشكر أصلاً.
والثاني : أيضاً باطل لأن الشاكر يتعب في الحال بذلك الشكر ويبذل الخدمة مع أن المشكور لا ينتفع به ألبتة ولا يمكن أن يقال إن ذلك الشكر علة الثواب، لأن الاستحقاق على الله تعالى محال فإن الاستحقاق على الغير إنما يعقل إذا كان ذلك الغير بحيث لو لم يعط لأوجب امتناعه من إعطاء ذلك الحق حصول نقصان في حقه، ولما كان الحق سبحانه منزهاً عن النقصان والزيادة لم يعقل ذلك في حقه، فثبت أن الاشتغال بالإيمان وبالشكر، لا يفيد نفعاً بحسب العقل المحض وما كان كذلك امتنع أن يكون العقل موجباً له، فثبت بهذا البرهان القاطع صحة قوله تعالى :﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ قال القاضي : المراد أن الإيمان لا يصدر عنه إلا بعلم الله أو بتكليفه أو بإقداره عليه.
وجوابنا : أن حمل الإذن على ما ذكرتم ترك للظاهر وذلك لا يجوز، لا سيما وقد بينا أن الدليل القاطع العقلي يقوي قولنا.
المسألة الثالثة :
قرأ أبو بكر عن عاصم ﴿وَنَجْعَلُ﴾ بالنون وقرأ الباقون بالياء كناية عن اسم الله تعالى.