وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ ﴾
الخطاب للنبيّ ﷺ والمراد غيره، أي لست في شك ولكنّ غيرك شك.
قال أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد : سمعت الإمامين ثعلباً والمبرد يقولان : معنى "فَإنْ كُنْتَ في شَكٍّ" أي قل يا محمد للكافر فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك.
﴿ فَاسْأَلِ الذين يَقْرَءُونَ الكتاب مِن قَبْلِكَ ﴾ أي يا عابد الوثن إن كنت في شك من القرآن فاسأل من أسلم من اليهود، يعنى عبد الله بن سَلاَم وأمثالَه ؛ لأن عبدة الأوثان كانوا يقرّون لليهود أنهم أعلم منهم من أجل أنهم أصحاب كتاب ؛ فدعاهم الرسول ﷺ إلى أن يسألوا من يقرّون بأنهم أعلم منهم، هل يبعث الله برسول من بعد موسى.
وقال القُتَبِيّ : هذا خطاب لمن كان لا يقطع بتكذيب محمد ولا بتصديقه ﷺ، بل كان في شك.
وقيل : المراد بالخطاب النبيّ ﷺ لا غيره، والمعنى : لو كنت يلحقك الشك فيما أخبرناك به فسألت أهل الكتاب لأزالوا عنك الشك.
وقيل : الشك ضيق الصدر ؛ أي إن ضاق صدرك بكفر هؤلاء فاصبر، واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك يخبروك صَبْرَ الأنبياءِ من قبلك على أذى قومهم وكيف عاقبة أمرهم.
والشك في اللغة أصله الضيق ؛ يقال : شك الثوب أن ضمه بِخلال حتى يصير كالوعاء.
وكذلك السّفرة تُمدّ علائقها حتى تنقبض ؛ فالشك يقبض الصدر ويضمه حتى يضيق.
وقال الحسين بن الفضل : الفاء مع حروف الشرط لا توجب الفعل ولا تثبته، والدليل عليه ما روي عن النبيّ ﷺ أنه قال لما نزلت هذه الآية :" والله لا أشك ثم استأنف الكلام فقال لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ " أي الشاكين المرتابين.


الصفحة التالية
Icon