ولما وقع النهي عن دعاء الأصنام وهي لا تضر ولا تنفع، ذكر أن الحول والقوة والنفع والضر ليس ذلك إلا لله، وأنه تعالى هو المنفرد بذلك، وأتى في الضر بلفظ المس، وفي الخير بلفظ الإرادة، وطابق بين الضر والخير مطابقة معنوية لا لفظية، لأنّ مقابل الضر النفع ومقابل الخير الشر، فجاءت لفظة الضر ألطف وأخص من لفظة الشر، وجاءت لفظة الخير أتم من لفظة النفع، ولفظة المس أوجز من لفظ الإرادة وأنص على الإصابة وأنسب لقوله : فلا كاشف له إلا هو، ولفظ الإرادة أدل على الحصول في وقت الخطاب وفي غيره وأنسب للفظ الخير، وإن كان المس والإرادة معناهما الإصابة.
وجاء جواب : وإن يمسسك بنفي عام وإيجاب، وجاء جواب : وإن يردك بنفي عام، لأنّ ما أراده لا يرده رادّ لا هو ولا غيره، لأن إرادته قديمة لا تتغير، فلذلك لم يجيء التركيب فلا رادّ له إلا هو.
والمس من حيث هو فعل صفة فعل يوقعه ويرفعه بخلاف الإرادة، فإنها صفة ذات، وجاء فلا رادّ لفضله سمى الخير فضلاً إشعاراً بأنّ الخيور من الله تعالى، هي صادرة على سبيل الفضل والإحسان والتفضل.
ثم اتسع في الإخبار عن الفضل والخير فقال : يصيب به من يشاء من عباده، ثم أخبر بالصفتين الدالتين على عدم المؤاخذة وهما : الغفور الذي يستر ويصفح عن الذنوب، والرحيم الذي رحمته سبقت غضبه.
ولما تقدم قوله : ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك، فأخر الضر، ناسب أن تكون البداءة بجملة الشرط المتعلقة بالضر.
وأيضاً فإنه لما كان الكفار يتوقع منهم الضر للمؤمنين والنفع لا يرجى منهم، كان تقديم جملة الضر آكد في الإخبار فبدىء بها.


الصفحة التالية
Icon