وقال الآلوسى :
﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرّ ﴾
تقرير لما أورد في حيز الصلة من سلب النفع من المعبودات الباطلة وتصوير لاختصاصه به سبحانه أي وإن يصبك بسوء ما ﴿ فَلاَ كاشف لَهُ ﴾ عنك كائناً من كان وما كان ﴿ إِلاَّ هُوَ ﴾ وحده فثبت عدم كشف الأصنام بالطريق البرهاني، وهو بيان لعدم النفع برفع المكروه المستلزم لعدم النفع بجلب المحبوب استلزاماً ظاهراً، فإن رفع المكروه أدنى مراتب النفع فإذا انتفى انتفى النفع بالكلية ﴿ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ ﴾ تحقيق لسلب الضرر الوارد في حيز الصلة أي إن يرد أن يصيبك بخير ﴿ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ ﴾ الذي من جملته ما أرادك به من الخير، فهو دليل على جواب الشرط لا نفس الجواب، وفيه إيذان بأن فيضان الخير منه تعالى بطريق التفضل والكرم من غير استحقاق عليه سبحانه أي لا أحد يقدر على رده كائناً من كان فيدخل فيه الأصنام دخولاً أولياً، وهو بيان لعدم ضرها بدفع المحبوب قبل وقوعه المستلزم لعدم ضرها برفعه أو بإيقاع المكروه استلزاماً جلياً ؛ ولعل ذكره الإرادة مع الخير والمس مع الضر مع تلازم الأمرين لأن ما يريده سبحانه يصيب وما يصيب لا يكون إلا بإرادته تعالى للإيذان بأن الخير مقصود لله تعالى بالذات والضر إنما يقع جزاء على الأعمال وليس مقصوداً بالذات، ويحتمل أنه أريد معنى الفعلين في كل من الخير والضر لاقتضاء المقام تأكيد كل من الترغيب والترهيب إلا أنه قصد الإيجاز في الكلام فذكر في أحدهما المس وفي الآخر الإرادة ليدل بما ذكر في كل جانب على ما ترك في الجانب الآخر، ففي الآية نوع من البديع يسمى احتباكاً وقد تقدم في غير آية، ولم يستثن سبحانه في جانب الخير إظهاراً لكمال العناية به وينبىء عن ذلك قوله تعالى :﴿ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ﴾ حيث صرح جل شأنه بالإصابة بالفضل المنتظم لما أراد من الخير، وقيل : إنما لم يستثن جل وعلا في ذلك لأنه قد فرض فيه أن تعلق الخير به واقع بإرادته تعالى وصحة الاستثناء تكون


الصفحة التالية
Icon