بإرادة ضده في ذلك الوقت وهو محال، وهذا بخلاف مس الضر فإن إرادة كشفه لا تستلزم المحال وهو تعلق الإرادتين بالضدين في وقت واحد، وفي العدول عن يرد بك الخير إلى ما في النظم الجليل إيماء كما قيل إلى أن المقصود هو الإنسان وسائر الخيرات مخلوقة لأجله، وما أشرنا إليه من رجوع ضمير ﴿ بِهِ ﴾ إلى الفضل هو الظاهر المناسب، وجوز رجوعه لما ذكر وليس بذاك، وحمل الفضل على العموم أولاً وآخراً حسبما علمت هو الذي ذهب إليه بعض المحققين راداً على من جعله عبارة عن ذلك الخير بعينه على أن يكون الإتيان به أولاً ظاهراً من باب وضع المظهر موضع المضمر إظهاراً لما ذكر من الفائدة بأن قوله سبحانه :﴿ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ ﴾ يأبى ذلك لأنه ينادي بالعموم، ويجوز عندي أن يكون الكلام من باب عندي درهم ونصفه، وقوله سبحانه :﴿ وَهُوَ الغفور الرحيم ﴾ تذييل لقوله تعالى :﴿ يُصَيبُ بِهِ ﴾ الخ مقرر لمضمونه والكل تذييل للشرطية الأخيرة مقرر لمضمونها.
وذكر الإمام في هذه الآيات أن قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين ﴾ [ يونس : ١٠٥ ] لا يمكن أن يكون نهياً عن عبادة الأوثان لأن ذلك مذكور في قوله سبحانه أول الآية :﴿ لاَ أَعْبُدُ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ﴾ [ يونس : ١٠٤ ] فلا بد من حمل هذا الكلام على ما فيه فائدة زائدة وهي أن من عرف مولاه لو التفت بعد ذلك إلى غيره كان ذلك شركاً وهو الذي يسميه أصحاب القلوب بالشرك الخفي، ويجعل قوله سبحانه :﴿ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ ﴾ [ يونس : ١٠٦ ] إشارة إلى مقام هو آخر درجات العارفين لأن ما سوى الحق ممكن لذاته موجود بإيجاده والممكن لذاته معدوم بالنظر إلى ذاته وموجود بإيجاب الحق وحينئذٍ فلا نافع إلا الحق ولا ضار إلا هو وكل شيء هالك إلا وجهه وإذا كان كذلك فلا رجوع إلا إليه عز شأنه في الدارين.