وإقامة الوجه للدين كناية عن توجيه النفس بالكلية إلى عبادته تعالى والإعراض عمن سواه، فإن من أراد أن ينظر إلى شيء نظر استقصاء يقيم وجهه في مقابلته بحيث لا يلتفت يميناً ولا شمالاً إذ لو التفت بطلت المقابلة، والظاهر أن الوجه على هذا على ظاهره ويجوز أن يراد به الذات، والمراد اصرف ذاتك وكليتك للدين واجتهد بأداء الفرائض والانتهاء عن القبائح، فاللام صلة ﴿ أَقِمِ ﴾ وقيل : الوجه على ظاهره وإقامته توجيهه للقبلة أي استقبل القبلة ولا تلتفت إلى اليمين أو الشمال، فاللام للتعليل وليس بذاك، ومثله القول بأن ذلك كناية عن صرف العقل بالكلية إلى طلب الدين ﴿ حَنِيفاً ﴾ أي مائلاً عن الأديان الباطلة، وهو حال إما من الوجه أو من الدين، وعلى الأول : تكون حالاً مؤكدة لأن إقامة الوجه تضمنت التوجه إلى الحق والإعراض عن الباطل، وعلى الثاني : قيل تكون حالاً منتقلة وفيه نظر، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في ﴿ أَقِمِ ﴾ ﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين ﴾ عطف على ﴿ أَقِمِ ﴾ داخل تحت الأمر وفيه تأكيد له أي لا تكونن منهم اعتقاداً ولا عملاً.
﴿ وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله ﴾
استقلالاً ولا اشتراكاً ﴿ مَا لاَ يَنفَعُكَ ﴾ بنفسه إذا دعوته بدفع مكروه أو جلب محبوب ﴿ وَلاَ يَضُرُّكَ ﴾ إذا تركته بسلب المحبوب دفعاً أو رفعاً أو بإيقاع المكروه، والجملة قيل معطوفة على جملة النهي قبلها، واختار بعض المحققين عطفها على قوله سبحانه :﴿ قُلْ يا أهل أَيُّهَا الناس ﴾ [ يونس : ١٠٤ ] فهي غير داخلة تحت الأمر لأن ما بعدها من الجمل إلى آخر الآيتين متسقة لا يمكن فصل بعضها عن بعض ولا وجه لإدراج الكل تحت الأمر.