قال تعالى "فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ" جاء الضمير بالجمع تعظيما لحضرة الرسول وطبعا لم ولن يستجيبوا لأنهم أقل من ذلك "فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ" هذا القرآن كله يا محمد عليكم "بِعِلْمِ اللَّهِ" تعالى بواسطة أمينه جبريل عليه السلام ليس بمفترى، لأنكم وجميع الخلق لا تقدرون على الإتيان بسورة منه، ولا آية معجزة أيضا "وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ" وحده الإله القادر على إنزاله وجعله معجزا للخلق أجمع، فقل لعامة الكفار هو كلام اللّه "فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ١٤" مذعنون له منقادون لعظمته، خاضعون لأوامره ونواهيه.
وبعد إظهاركم العجز عن ما تحداكم به لم يبق شائبة شبهة بأنه من عند غير اللّه بل من عند اللّه حقيقة، وأن ما أنتم عليه من الشرك والإنكار باطل،
فاتركوا هذه المكابرة والعناد وآمنوا باللّه ورسوله.
انتهت الآيتان المدنيتان.
قال تعالى "مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها" بأعماله الحسنة فيها ونيته الصادقة، ورضي باستبدال الباقي بالفاني والدائم بالمنقطع "نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها" كاملة زائدة "وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ ١٥" شيئا منها ولا ينقصون نقيرا والضميران عائدان للحياة الدنيا، الثاني مؤكد للأول، لأن البخس لا يكون إلا في الدنيا من أولى الأمر، ونجس الآخرة ناشىء عن التقصير في الأعمال الصالحة.
نزلت هذه الآية في كل من عمل عملا يبتغي به غير اللّه، والبخس نقص الحق على سبيل الظلم من أيّ كان، وجاء هنا على ظاهر الحال محافظة على صور الأعمال ومبالغة في نفي النقص، فكأنه نقص لحقوقهم التي يزعمونها، وفعل يبخسون هذا لم يكرر في القرآن.