هذا، وما أخرجه النحاس في ناسخه عن ابن عباس بأن هذه الآية منسوخة بآية (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) الآية ١٨ من سورة الإسراء المارة في ج ١، مردود من وجهين : الأول أن هذه من الأخبار والأخبار لا يدخلها النسخ كما نوهنا به في الآية ٤١ من سورة يونس المارة، الثاني أن آية الإسراء مقدمة على هذه بالنزول، والمقدم لا ينسخ المؤخر كما بيناه في بحث الناسخ والمنسوخ في المقدمة ج ١، فلا معنى للقول بالنسخ البتة "أُولئِكَ" الذين وصفوا أعلاه هم "الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ" لأنهم استوفوا ثواب أعمالهم في الدنيا وقد عملوها لأجلها "وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها" من الخير لأنهم صنعوه للسمعة والرياء فلم يقصدوا فيه رضاء اللّه، فكافأهم عليه في الدنيا لأن عمل الخير لا بد وأن يكون له ثواب لا يعدمه فاعله بمقتضى قوله تعالى (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) الآية ٧ من سورة الزلزلة في ج ٣.
مطلب العمل لغير اللّه والآية المدنية الثالثة وعود الضمير في منه :
قال تعالى "وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ١٦" في الدنيا من الخير أي في الآخرة لأنه كان لغير اللّه ولمكافأتهم عليه فيها، والباطل لا ثواب له في الآخرة.
أخرج مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : قال اللّه تبارك
وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه.
وأخرج الترمذي عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من تعلم علما لغير اللّه أو أراد به غير اللّه فليتبوأ مقعده من النار.
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال :
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم من تعلم علما مما يبتغى به وجه اللّه، لا يتعلمه إلا ليصبب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة.
أي ريحها.