على سبيل المقابلة أحد أبواب البديع وهي أن يؤتى بمعنيين أو أكثر ثم بما يقابل كل منهما من أضداد، فيعود الأول إلى الأول والثاني على الثاني بطريق اللّف والنشر المرتب، فانظروا أيها الناس "هَلْ يَسْتَوِيانِ" هذان الصنفان الأولان مع الصنفين الآخرين "مَثَلًا" كلا، لا يستويان، فقل لهم يا سيد الرسل "أَ فَلا تَذَكَّرُونَ ٢٤" معاني هذا المثل ومغزاه فتنتفعون به، وبعد أن بين تعالى ما يدل على توحيده وأحوال المؤمنين والكافرين وموقفهم مع حضرة الرسول بين أنبيه أخبار من تقدم من الأنبياء مع أقوامهم بقوله جل قوله "وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ" ليرشدهم إلى سلوك طريقه، فقال لهم "إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ٢٥" أخوفكم عقاب اللّه وأحذركم من الإشراك به وآمركم "أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ" وحده فهو المستحق للعبادة "إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ" إن لم تتركوا عباده الأوثان وترجعوا لطاعة الرحمن "عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ٢٦" شديد عذابه وصف اليوم بالألم لوفوعه فيه "فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ" يا نوح "إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا" مالك ميزة علينا بشيء فكيف تريد أن تستأثر بطاعتنا إليك "وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا" أسافلنا من الحاكة والإسكافية وأشباههم ذرى الحرف الخسيسة الذين أطاعوك "بادِيَ الرَّأْيِ" دون تدبر وتفكر على وهلة بما طليت عليهم من فصاحة لسانك ولين جانبك، ولو أنهم ذوو مكانة عندنا أو أنهم تمعنوا في الأمر الذي دعوتهم إليه وتصوروا العواقب لما اتبعوك حالا وتركوا دين آبائهم، ثم تجارءوا عليه، قاتلهم اللّه، فقالوا له جهارا "وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ" في مال أو جاه أو شرف أو غيره من المميزات التي توجب طاعتك، لا أنت ولا من اتبعك السوقة الذين لا نرضى مجالستهم، فكيف تريد أن ننقاد لك وتكون لك السلطة علينا.


الصفحة التالية
Icon