والحق أن يقولوا معنا بأن ذلك المهدي المضل المزين "هُوَ رَبُّكُمْ" الذي خلقكم ورباكم في هذه الدنيا "وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٣٤" في الآخرة فيجاري المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته "أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ" أي الوحي الذي يتلوه عليهم كما تقول كفار مكة لك يا أكرم الرسل، لأنهم قاتلهم اللّه جاءوا على وتيرة واحدة بالاحتجاج والتكذيب والمجادلة مع جميع الرسل، ولهذا قال تعالى في الآية ١٦٨ من سورة البقرة في ج ٣، تشابهت قوبهم "قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي" جمع جرم، وهو اقتراف السوء، يقال أجرم فلان إذا فعل الجرم أي الذنب الكبير، ويقال لفاعله مجرم، أي عليّ إثم إجرامي "وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ٣٥" أنتم في إسنادكم الافتراء إليّ لأنه جرم عظيم، وهذا آخر محاورة سيدنا نوح مع قومه في هذه السورة، وما قيل إن آية (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) المارة ترجع إلى كفار مكة وإنها معترضة بين محاورة نوح وقومه لا وجه له، لأن السياق يدل على أنها من تمام محاورته، والسياق يؤيد هذا، قال تعالى "وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ" لا تحزن ولا تأيس عليهم، فإني مهلكهم "بِما كانُوا يَفْعَلُونَ ٣٦" بك يا رسولي من الأذى، وبأنفسهم من الضلال والكفر.
قيل كانوا يضربون نوحا عليه السلام حين يدعوهم إلى اللّه ويدلهم على الهدى ويأمرهم بالرشاد حتي يغشى عليه، فإذا أفاق يقول رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، وهكذا كان سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم مع قومه، يقابلهم بالدعاء لهم بالهداية.
هذا، ولما تمادوا على ما هم عليه وهو ينتظرهم جيلا بعد جيل ولم ينجع بهم نصحه، ولم يكفوا


الصفحة التالية
Icon