عن أذاهم له ورأى كل جبل يظهر أنجس من الذي قبله، وقد أيس من إيمانهم، شكا أمره إلى اللّه بعد أن أقنطه من إيمانهم في هذه الآية، دعا عليهم كما هو مذكور في سورته الآتية في الآية ٢٦ فاستجاب سبحانه دعاءه، وأوحى إليه بقوله "وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا" على مرأى منا لئلا تزبغ عن الصواب في كيفية صنعها المثبتة في أزلنا، وذلك لأن اللّه تعالى كما خلق في عالم الذر جميع الناميات، صور أيضا كل الجامدات، فكان كل ما يظهر منها طبق ما هو مكون عنده في لوحه وكلمة (بِأَعْيُنِنا) جاءت هنا وفي الآية ١٤ من سورة القمر المارة في ج ١، "وَوَحْيِنا" أي اصنعها بمقتضى ما نأمرك به من عرضها وطولها وثخنها وارتفاعها وعمقها وهيئتها ومم يكونّها ومقدار ما تستوعبه، قال ابن عباس لم يعلم نوح كيف يصنعها فأوحى اللّه إليه أن يجعلها مثل جؤجؤ الطائر، "وَلا تُخاطِبْنِي" يا رسولي بعد انهاءك عملها وطوافها على وجه الماء الذي سأقدره لها "فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا" من قومك ولا تتشفع لأحد منهم، ولا تسألن بتأخير عذابهم "إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ٣٧" حتما محكوم عليهم في الموت غرقا حكما مبرمأ قضي فيه أزلا وجف به القلم، فلا سبيل إلى كفه "وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ" امتثالا لأمر ربّه حسبما أوحي له به.