هذا وأما ما جاء في هذه القصة من حسن النظم وبداعة التركيب وبلاغة القول وفصاحة إيجازه واطنابه وخاصة هذه الآية ٤٤، فحدّث ولا حرج، لأن البشر عاجز عن وصفه وللّه در القائل في التنزيل وما جمعت آياته :
وعلى تفنّن واصفيه بحسنه يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف
ورحم اللّه الأبوصيري حيث يقول :
آيات حق من الرحمن محدثة قديمة صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمان وهي تخبرنا عن المعاد وعن عاد وعن ارم
فما تعد ولا تحصى عجائبها ولا تسام على الإكثار بالسأم
مطلب في قوله تعالى انه ليس من أهلك وتفنيد قول من قال إنه ليس ابنه :
قال تعالى "وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ" بعد أن خرج من السفينة هو وأهله ومن معه وتذكر ابنه كنعان ووعد اللّه في الجاء أهله "فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي" وقد وعدتني بإنجائهم من الغرق "وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ" فلم أغرقته وأنت لا تخلف الميعاد ولم تستثنه "وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ ١٥" فاحكم لي بإنجاز وعدك، لأنك العادل في الحكم للعالم مما تحكم.
قال هذا لأن الحاكم إذا حكم بالعدل ولم يعلم أنه عدل موافق للشرع بعد من أهل النار، لأنه بمنزلة العوارف الذين يحكمون برأيهم وبالقياس على أحكام من سلف من أمثالهم، لا يستند إلى كتاب سماوي أو تشريع نبوي أو قياس على أحدهما، فحكمه حكم الجاهل الذي يقضي بخلاف الحق، ولهذا قيل قاضيان في النار وقاض في الجنة، فالذي في الجنة قاضي عرف الحق وقضى به واللذان في النار هما الأولان، ولا فضل لحاكم على