قال تعالى "إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ ٤٦" لمثل هذا وأنت من أصفيائي وكان عليه السلام لا يعلم أن سؤاله هذا محظور عليه، ولما علم مما أوحي إليه ربه أن طلبه نجاة ابنه وإدخاله في وعد ربه لا يرضى به ربه رجع واعتذر والتجأ إليه "قالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ" بجوازه ورضائك به "وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي" جهلي هذا وخطئي بإقدامي على سؤالك شيئا لا يحق لي سؤاله، ولا يجوز لي طلبه البتة "وَتَرْحَمْنِي" بالعصمة عن العود إلى مثلها برحمتك التي وسعت كل شيء "أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ ٧٤" عملا واحرسني يا سيدي من أن أذهل عن شكر نعمتك، فإن الذهول عنه عندها معاملة خاسرة توجب زوالها.
واعلم أن لا دلالة في هذه الآية على عدم عصمة الأنبياء، لأن اللّه تعالى وعد نوحا بإنجاء أهله وقد اتبع ظاهر هذا الوعد فسأل نجاته، فعاتبه اللّه تعالى على ما ليس له به علم من استثنائه من أهله في سابق علمه، لأنه كافر مصر على كفره، وبين له أنه ليس من أهله الذين وعده بنجاتهم، وأعلمه بأنه هالك لا محالة مع قومه الظالمين أنفسهم، ونهاه عن مخاطبته فيه، وفي كل ما لا يعلمه مما يوقعه اللّه تعالى في ملكه، فخاف عليه السلام من إقدامه على سؤاله ذلك الذي لم يؤذن له به، فلجأ إلى ربه وسأله المغفرة حالا عن هذا الذنب الذي ليس بذنب عند غير الأنبياء، لأن العبد كلما ازداد قربا من اللّه تضاعفت خشيته منه، وقد جاء عن سيدنا محمد صلى اللّه عليه وسلم أنه قال أعلمكم باللّه وأخشاكم له أنا.
وذلك لقربه من ربه عز وجل، لأن في ازدياد قربه ازدياد معرفته بربه ووقوفه على بعض عظمته وكبريائه، فيزداد خوفه منه فيستعظم ما يقع منه مما يراه مخالفا للأدب، ولهذا المعنى قبل إن حسنات الأبرار سيئات