ثم ابتدأ فقال "وَأُمَمٌ" كافرة يحدثون بعدك وينشأون ممن معك "سَنُمَتِّعُهُمْ" في هذه الدنيا بالسعة بالرزق والخفض في العيش والرفعة في الجاه مدة آجالهم "ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا" يوم القيامة جزاء أعمالهم السيئة "عَذابٌ أَلِيمٌ ٤٨" وقال محمد المومى إليه دخل في هذا المتاع والعذاب كل كافر إلى يوم القيامة "تِلْكَ" القصّة التي قصصناها عليك يا محمد "مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ" في جملة الأخبار الغيبية "ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا" القرآن الذي جاءك به ذلك في جملة ما أنزلناه عليك منه، ولا يقال إن هذه القصة معلومة في في التوراة أو غيرها من الكتب فكيف صح قوله (ما كُنْتَ تَعْلَمُها) إلخ، لأنها كانت معروفة على الإجمال، ومنها ما هو بطريق الرمز والإشارة، أما على هذا
التفصيل فلم يوجد إلا في القرآن ولم يرد ذكرها على هذا الوضوح إلا به، ولأن حضرة الرسول أمي لم يقرأ ولم يكتب ولم يعلم ما في الكتب القديمة، وكذلك قومه جلّهم أمّيّون، ومنهم من لم يسمع بها أيضا، لأن الجهالة باختيار الأمم السابقة وكيفية إهلاكهم غالبة عليهم، فاندفع ما يقال وأخرس القائل.
"فَاصْبِرْ" يا سيد الرسل أنت ومن معك من المؤمنين على أذى قومك وتحمل جفاهم حتى يأتي وعد اللّه، كما أن نوحا ومن بعده من الأنبياء صبروا حتى جاءهم وعد اللّه "إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ٤٩" ربهم الصابرين على ما يخبرهم به، فيكون لهم النصر والفوز، قال تعالى "وَإِلى عادٍ" أرسلنا "أَخاهُمْ هُوداً" في النسب، لانه منهم لا في الدين الذي نسبه أقرب ولا في الهوى الذي هو تبع لما جاء به حضرة الرسول القائل (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به) وأشار إليه ابن الفارض رحمه اللّه بقوله فيه :
كم نسب في الهوى بيننا أقرب من نسب من أبوي