و بعدا لا يدرى مداه، بدليل التكرار، لأن العنة معناها البعد أيضا فكررها بعبارتين مختلفتين دلالة على نهاية التأكيد، كما أن تكرار التنبيه بألا مع النداء المستتر بالدعاء عليهم يدل على التهويل وتفظيع حالهم، ويبعث على الاعتبار بهم والحذر من أفعالهم،
قال تعالى "وَإِلى ثَمُودَ" أرسلنا "أَخاهُمْ صالِحاً" بالنسب أيضا لأنه منهم و قد مر نسبه أيضا في الآية ٧٣ من سورة الأعراف في ج ١، وهم سكان الحجر وثمود اسم للقبيلة والثمد الماء القليل "قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ" البتة "هُوَ" الذي "أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ" وحده لا شريك له "وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها" فأطال أعماركم وجعلكم سكانها وعمارها.
مطلب سبب طول العمر وبقاء الحكم كثيرا عند البعض :
قالوا كان أحدهم يعيش كثيرا وتتراوح أعمارهم ما بين ثلاثمائة وألف سنة، وكان قوم عاد كذلك، وسئل نبي من أنبياء زمانهم عن سبب طول أعمارهم، فقال لأنهم عمروا البلاد وعاش بها العباد.
وقيل إن اللّه أوحى لنبي من أنبيائهم بهذا، وقال معاوية لرجل أحيا أرضا آخر عمره ما حملك على هذا ؟ قال قول القائل :
ليس الفتى بفتى يستفاد به ولا يكون له في الأرض آثار
وسئل عن بقاء حكمهم، فقال لأنهم لا يولون إلا ذوي العقول، ولا يحكمون إلا ذوي الأصول، ولا يعاقبون إلا بقدر الذنب لا يقدر البغض، ولا يكافئون إلا بقدر العمل لا بقدر المحبة، وقيل إن هذين السؤالين وقعا على ملوك الفرس واللّه أعلم.


الصفحة التالية
Icon