ومن السنة تلقي الضيف بطلاقة وجه، لأن البشاشة خير من القري، وأن يبالغ في خدمته بنسبته، لأن زيادة التواضع تخاسس، والعرب لا شك لا تألو جهدا في هذا الشأن، حتى أن أحدهم ليستدين ويكرم ضيفه، إلا أن التكليف للضيف بغير المستطاع مكروه، قال صلّى اللّه عليه وسلم : أنا وأنقياء أمتي براء من التكلف، وقد جاء عن أنس وغيره من الأصحاب أنهم كانوا يقدمون الكسرة اليابة وحشف التمر ويقولون ما ندري أيها أعظم وزرا الذي يحتقر ما قدم إليه أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدمه، وأن يخدمهم بنفسه، كما فعل إبراهيم عليه السلام، ويظهر لهم السرور ويأكل معهم، ويطيل الحديث على الأكل، ولا ينظر إلى أكلهم، ويكرم دوابهم وخدمهم إن كان ذلك ليزدادوا سرورا، ومن السنة أن يحدث أضيافه بما يسرهم، وأن يقدم الألوان دفعة واحدة، أو يخبرهم بها ليأكل مما يشتهيه، وأن يشيعهم إلى باب الدار إن كانوا من أهل البلد، وإلى آخره إن كانوا غرباء عنه، ولهذا البحث صلة في الآية ٤٤ من سورة الذاريات، والآية ٥ من سورة الحجر الآتيتين، قال تعالى "فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ" أي العجل المقدم إليهم،
وهذا يدل على أنه عليه السلام لا يعرفهم أنهم ملائكة وإلا لما قدم إليهم شيئا لأنه يعلم أن الملائكة لا يأكلون، وهذا كاف للرد على من قال إنه يعرفهم، ويؤيد عدم معرفته لهم قوله تعالى "نَكِرَهُمْ" خاف منهم، لأن الضيف إذا مس الطعام أمنه المضيف وإلا خاف منه وحذره، ولهذا قال تعالى "وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً" في قلبه لأن الوجس رعب القلب ولهذا فإن من خال أنه يعرفهم فقد أخطأ المرمى ويؤكد خطأه قوله تعالى حكاية عنهم "قالُوا لا تَخَفْ" يا إبراهيم إذ عرفوا خوفه من هيولاء فأمنوه وبينوا له أنفسهم ليسكن روعه، فقالوا نحن رسل ربك "إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى " إهلاك "قَوْمِ لُوطٍ ٧٠" لتجاوزهم عليه