لأن اللّه تعالى يقول (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) الآية ٢٥ من العنكبوت الآتية، أي أن صلاتك هذه تأمرك "أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا" من الأوثان "أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا" من النقص والزيادة "إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ ٨٨" في زعمك وزعم أصحابك فلما ذا ابتدعت هذا علينا فلو كنت كذلك لما كان يجوز لك أن تشق عصا قومك، ولا يجدر بك أن تخالفهم وتسفه عاداتهم.
هذا إذا كان وصفهم له بتلك الصفتين على الحقيقة، وإذا كانوا يريدون الاستهزاء فيكون المراد ضدهما أي السفيه الضال الغاوي، لأن العرب تصف الشيء بضده فتقول للديغ سليم، وللأعمى بصير، وللفلاة المهلكة مفازة، وهكذا "قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي" تقدم مثلها "وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً" حلالا بفضله ورحمته من غير نجس وتطفيف، وكان عليه السلام كثير النعم كثير الخير، وفي هذه الجملة
معنى الاستفهام، أي إذا كنت كذلك فهل يمكن أن أخالف أمره وأوافق هواكم وأكتم عليكم ما أمرني به ربي أن أبلغه إليكم كلا لا أقصد ذلك "وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ" فاسبقكم لفعله وأستبد به دونكم مع اعترافكم بكمال عقلي وحسن سجيّتي وإني أختار لكم ما أختاره لنفسي وأنهاكم عما أنزه نفسي عن اقترافه ولا أفعل شيئا قط وأنا أنهى عنه إذ لا يليق بالرجل ذلك، وعليه قوله :
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
"إِنْ أُرِيدُ" لا أريد قط فيما آمركم به وأنهاكم عنه شيئا "إِلَّا الْإِصْلاحَ" لكم بنصحي وموعظني فيما بيني وبينكم وبين ربي وربكم "مَا اسْتَطَعْتُ" من جهدي وما دمت متمكنّا من الإصلاح فإني لا آلو فيه جهدا، وسأبدل قصارى وسعي برشدكم وهدايتكم من غير إبصار ولا إكراه.