هذا واعلم أن شأن هذه الأجوبة الثلاثة المبينة على مراعاة حقوق ثلاثة مطلوبة لكل من يأمر وينهى، فالأول حق اللّه تعالى، والثاني حق النفس، والثالث حق الناس، تدبر قوله البالغ ذروة المعنى والبلاغة وقمة الفقه والفصاحة "وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ" لا أفعل شيئا أو أتركه إلا بمعونة اللّه وتأييده، لأنه هو الموفق لطرق الخير والطاعة واجتناب سبل الشر والعصيان، والتوفيق تسهيل اللّه تعالى على عبده ما يعسر عليه وتيسير ما يصعب "عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ" في أموري كلها "وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ٨٩" أرجع خاضعا خاشعا إليه فيما ينزل بي من الخير فأحمده عليه، ومن الشر فألجا إليه في دفعه، وقد طلب عليه السلام التوفيق من ربه لإصابة الحق فيما يأتي ويذر والاستعانة به على مجامع أمره، مظهرا بهذا عدم مبالاته بكفار قومه مهما قالوا أو فعلوا، ثم كر على قومه فقال "وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ" لا يوقعنكم في الجزم ويكسبنكم إياه "شِقاقِي" خلافي معكم وتحملكم عداوتي لأجل خيركم "أَنْ يُصِيبَكُمْ" بسببه عذاب عاجل في هذه الدنيا جزاء كفركم وفعلكم السيء فيحل بكم "مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ" من الإهلاك غرقا "أَوْ قَوْمَ هُودٍ" من التدمير بالريح العاصف "أَوْ قَوْمَ صالِحٍ" من الموت بالصيحة "وَما قَوْمُ لُوطٍ"
الذين أهلكوا بالخسف والرجم بالحجارة "مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ ٩٠" لقرب عهد إهلاكهم منكم وهم جيرانكم بالسكن، وقد حل بهم ما لم يحل بغيرهم، كما أن جرمهم لم يقترفه غيرهم، فاتعظوابهم "وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ" تقدم مثله "إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ" بعباده إذا تابوا وأنابوا "وَدُودٌ ٩٠" بهم كثير الرأفة والمحبة لإيمانهم به ليكونوا قريبين منه