وذلك لأن مبنى هذه السورة على إرشاده تعالى شأنه نبيه صلى اللّه عليه وسلم إلى كيفية الدعوة من مبدئها إلى آخرها، وإلى ما يعزى لمن تصدى لهذه المرتبة العظيمة من الشدائد، واحتماله لما يترتب عليه من الفوائد، وهي أي هذه السورة الجليلة جامعة لإرشاده صلى اللّه عليه وسلم من مفتتح أمره إلى مختتمه، وهذه الآية كالفذلكة لها فحينما نزلت هذه السورة هاله ما فيها من الشدائد، وخاف من عدم القيام بأعبائها، حتى إذا لقي اللّه تعالى في يوم الجزاء ربما مسّه نصيب من السؤال عنها، فذكر القيامة في تلك السور أي هود وإخوتها كآل حميم وغيرها، يخوفه هولها لاحتمال تفريطه فيما أرشده اللّه تعالى له فيها، وقد كررت الجملة الأولى من هذه الآية في الآية ١٤ من سورة الشورى الآتية، وهذا لا ينافي عصمته عليه السلام وقربه من ربه، لكونه الأعلم باللّه والأخوف منه، فالخوف منها يذكره بما تضمنته هذه السورة، فكأنها هي المشيبة له من بينها، ولذا بدأ بها في جميع الروايات، ولما كانت تلك الآية فذلكة لها كانت هي المشيبة في الحقيقة واللّه أعلم.
وسنأتي على تتمة هذا البحث في الآية الآتية إن شاء اللّه ثم خاطب جل خطابه الخلق أجمع بقوله "وَلا تَطْغَوْا" أيها الناس فتخرجوا عن حدود اللّه، ولا تعلوا في الدين أيها المؤمنون فتتجاوزوا عما أمرتم به ونهيتم عنه فتغلبوا ولا تخالفوا أيها الناس أوامر اللّه فتعصوه في شيء ما، ولا تنحرفوا بإفراط ولا تفريط، فكلاهما ذميم، وسماء اللّه طغيانا تغليظا أو تغليبا لحال سائر المؤمنين على حاله صلى اللّه عليه وسلم "إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ١١٣" قال ابن عباس ما نزلت آية على رسول اللّه أشد عليه من هذه الآية، ولذلك قال شيبتني هود وأخواتها الحافة والواقعة والنبأ والغاشية والمرسلات وكورت وآل حم، لكثرة ما فيها من ذكر القيامة والبعث والحساب والجنة والنار.