فصل


قال الفخر :
﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) ﴾
في الآية مسائل :
المسألة الأولى :
اعلم أن قوله ﴿الر﴾ اسم للسورة وهو مبتدأ.
وقوله ﴿كِتَابٌ﴾ خبره، وقوله :﴿أُحْكِمَتْ ءاياته ثم فُصلتْ﴾ صفة للكتاب.
قال الزجاج : لا يجوز أن يقال :﴿الر﴾ مبتدأ، وقوله :﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءاياته ثُمَّ فُصّلَتْ﴾ خبر، لأن ﴿الر﴾ ليس هو الموصوف بهذه الصفة وحده ؛ وهذا الاعتراض فاسد، لأنه ليس من شرط كون الشيء مبتدأ أن يكون خبره محصوراً فيه، ولا أدري كيف وقع للزجاج هذا السؤال، ثم إن الزجاج اختار قولاً آخر وهو أن يكون التقدير : الر هذا كتاب أحكمت آياته، وعندي أن هذا القول ضعيف لوجهين : الأول : أن على هذا التقدير يقع قوله :﴿الر﴾ كلاماً باطلاً لا فائدة فيه، والثاني : أنك إذا قلت هذا كتاب، فقوله :"هذا" يكون إشارة إلى أقرب المذكورات، وذلك هو قوله :﴿الر﴾ فيصير حينئذ ﴿الر﴾ مخبراً عنه بأنه كتاب أحكمت آياته، فيلزمه على هذا القول ما لم يرض به في القول الأول، فثبت أن الصواب ما ذكرناه.
المسألة الثانية :
في قوله :﴿أحكمت آياته﴾ وجوه : الأول :﴿أحكمت آياته﴾ نظمت نظماً رصيفاً محكماً لا يقع فيه نقص ولا خلل، كالبناء المحكم المرصف.
الثاني : أن الإحكام عبارة عن منع الفساد من الشيء.
فقوله :﴿أحكمت آياته﴾ أي لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب والشرائع بها.
واعلم أن على هذا الوجه لا يكون كل الكتاب محكماً، لأنه حصل فيه آيات منسوخة، إلا أنه لما كان الغالب كذلك صح إطلاق هذا الوصف عليه إجراء للحكم الثابت في الغالب مجرى الحكم الثابت في الكل.


الصفحة التالية
Icon