وقال ابن الجوزى :
﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾
فأما ﴿ آلر ﴾ فقد ذكرنا تفسيرها في سورة ( يونس )
قال الفراء : و ﴿ كتاب ﴾ مرفوع بالهجاء الذي قبله، كأنك قلت : حروف الهجاء هذا القرآن، وإِن شئت رفعته باضمار "هذا كتاب"، والكتاب : القرآن.
وفي قوله :﴿ أحكمت آياته ﴾ أربعة أقوال :
أحدها : أُحكمت فما تُنسخُ بكتاب كما نُسخت الكتب والشرائع، قاله ابن عباس، واختاره ابن قتيبة.
والثاني : أُحكمت بالأمر والنهي، قاله الحسن، وأبو العالية.
والثالث : أُحكمت عن الباطل، أي : مُنعت، قاله قتادة، ومقاتل.
والرابع : أُحكمت بمعنى جُمعت، قاله ابن زيد.
فإن قيل : كيف عمَّ الآيات هاهنا بالإِحكام، وخص بعضها في قوله :﴿ منه آيات محكمات ﴾ [ آل عمران : ٨ ] ؟ فعنه جوابان.
أحدهما : أن الإِحكام الذي عمَّ به هاهنا، غير الذي خَصَّ به هناك.
وفي معنى الإِحكام العامّ خمسة أقوال، قد أسلفنا منها أربعة في قوله :﴿ أُحكمت آياته ﴾.
والخامس : أنه إِعجاز النظم والبلاغة وتضمين الحِكَم المعجزة.
ومعنى الإِحكام الخاص : زوال اللَّبْس، واستواء السامعين في معرفة معنى الآية.
والجواب الثاني : أن الإِحكام في الموضعين بمعنى واحد.
والمراد بقوله :﴿ أُحكمت آياته ﴾ : أُحكم بعضها بالبيان الواضح ومنع الالتباس، فأُوقعَ العمومُ على معنى الخصوص، كما تقول العرب : قد أكلتُ طعام زيد، يعنون : بعضَ طعامه، ويقولون : قُتلنا وربِّ الكعبة، يعنون : قُتل بعضنا، ذكر ذلك ابن الأنباري.
وفي قوله :﴿ ثم فصِّلت ﴾ ستة أقوال :
أحدها : فصِّلت بالحلال والحرام، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني : فصِّلت بالثواب والعقاب، رواه جسر بن فرقد عن الحسن.
والثالث : فصِّلت بالوعد والوعيد، رواه أبو بكر الهذلي عن الحسن أيضاً.
والرابع : فصِّلت بمعنى فسِّرت، قاله مجاهد.


الصفحة التالية
Icon