﴿ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ أي مثلُه في الخديعة أو البطلان، وهذا إشارةٌ إلى القول المذكورِ أو إلى القرآن فإن الإخبارَ عن كونهم مبعوثين وإن لم يجب كونُه بطريق الوحي المتلوِّ إلا أنهم عند سماعِهم ذلك تخلّصوا إلى القرآن لإنبائه عنه في كل موضعٍ، وكونِه علَماً عندهم في ذلك فعمَدوا إلى تكذيبه وتسميتِه سحراً تمادياً منهم في العناد وتفادياً عن سَنن الرشاد، وقيل : هو إشارةٌ إلى نفس البعثِ ولا يلائمه التسميةُ بالسحر، فإنه إنما يُطلقُ على شيء موجودٍ ظاهراً لا أصلَ له في الحقيقة، ونفسُ البعثِ عندهم معدومٌ بحتٌ، وتعلّقُ الآيةِ الكريمةِ بما قبلها إما من حيث إن البعثَ كما أشير إليه من تتمات الابتلاءِ المذكورِ فكأنه قيل : الأمرُ كما ذكر ومع ذلك إن أخبرتهم بمقدمة فذّةٍ من مقدماته وقضيةٍ فردةٍ من تتماته لا يتلعثمون في الرد ويعدّون ذلك من قبيل ما لا صِحةَ له أصلاً فضلاً عن تصديق ما هذه من تتماته، وإما من حيث إن البعثَ خلقٌ جديد فكأنه قيل : وهو الذي خلق جميعَ المخلوقاتِ ابتداءً لهذه الحكمة البالغةِ ومع ذلك إن أخبرتهم بأنه يعيدهم تارةً أخرى وهو أهونُ عليه يقولون ما يقولون فسبحان الله عما يصفون، وقرأ حمزةُ والكسائيُّ إلا ساحرٌ على أن الإشارةَ إلى القائل أو إلى القرآن على أسلوب شعرٌ شاعرٌ وقرىء بالفتح على تضمين قلتَ معنى ذكرتَ أو على أن أنك بمعنى عنك في علّك، أي ولئن قلتَ : لعلكم مبعوثون على أن الرجاءَ والتوقعَ باعتبار حالِ المخاطبين أي توقّعوا ذلك ولا تبُتّوا القولَ بإنكاره أو على أنه مجاراةٌ معهم في الكلام على نهج المساعدةِ لئلا يسارعوا إلى اللَّجاج والعِنادِ ريثما قَرعَ أسماعَهم بتُّ القولِ بخلاف ما ألِفوا وألفَوْا عليه آباءَهم من إنكار البعثِ ويكون ذلك أدعى لهم إلى التأمل والتدبّر وما فعلوه قاتلهم الله أنى يؤفكون. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ٤ صـ ﴾


الصفحة التالية
Icon