وقال الآلوسى :
ثم أتى سبحانه بما يدل على عظيم قدرته جل شأنه
من قوله تبارك وتعالى :﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾
تقريراً للتوحيد لأن من شمل علمه وقدرته هو الذي يكون إلهاً لا غيره مما لا يعلم ولا يقدر على ضر ونفع وتأكيداً لما سبق من الوعد والوعيد لأن العالم القادر يرجى ويخشى، وجوز أن تكون الآية تقريراً لقوله سبحانه :﴿ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [ هود : ٥ ] وما بعدها تقريراً لقوله سبحانه :﴿ وَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ ﴾ [ هود : ٤ ] وفيه بعد، وكأن المراد بخلق السموات والأرض الخ خلقهما وما فيهما، أو تجعل السموات مجازاً عن العلويات فتشملها وما فيها، وتجعل الأرض مجازاً بمعنى السفليات فتشملها وما فيها من غير تقدير، واحتيج لذلك لاقتضاء المقام إياه وإلا فخلقهما في تلك المدة لا ينافي خلق غيرهما فيها، والمراد باليوم الوقت مطلقاً لا المتعارف إذ لا يتصور ذلك حين لا شمس ولا أرض، وقيل : أريد به مدة زمان دور المحدد المسمى بالعرش دورة تامة، وإليه ذهب الشيخ الأكبر قدس سره، وقد علمت حاله فيما تقدم، وقيل : غير ذلك.
وفي عدم خلقهما دفعة كما علمت دليل كما قال غير واحد على كونه سبحانه قادراً مختاراً مع ما فيه من الاعتبار للنظار والحث على التأني في الأمور، وقد تقدم ما قيل في وجه تخصيص هذا العدد دون الزائد عليه كالسبعة أو الناقص عنه كالخمسة للخلق، ولعلنا نحقق ذلك في موضع آخر، وإيثار صيغة الجمع في السموات لاختلافها بالأصل والذات دون الأرض، وإن قيل : إنها مثل السماء في كونها سبعاً طباقاً بين كل أرض وأرض مسافة وفيها مخلوقات، وبذلك فسر قوله سبحانه :﴿ وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ ﴾ [ الطلاق : ١٢ ] والكثير على أن الأرض كرة واحدة منقسمة إلى سبعة أقاليم وحملوا الآية على ذلك.


الصفحة التالية
Icon