الفائدة الأولى : أن قوله :﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ معناه ويؤت كل ذي فضل موجب فضله ومعلوله والأمر كذلك وذلك لأن الإنسان إذا كان في نهاية البعد عن الاشتغال بغير الله وكان في غاية الرغبة في تحصيل أسباب معرفة الله تعالى فحينئذ يصير قلبه فصاً لنقش الملكوت ومرآة يتجلى بها قدس اللاهوت، إلا أن العلائق الجسدانية الظلمانية تكدر تلك الأنوار الروحانية، فإذا زالت هذه العلائق أشرقت تلك الأنوار وتلألأت تلك الأضواء وتوالت موجبات السعادات، فهذا هو المراد من قوله :﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾.
الفائدة الثانية : أن هذا تنبيه على أن مراتب السعادات في الآخرة مختلفة وذلك لأنها مقدرة بمقدار الدرجات الحاصلة في الدنيا، فلما كان الإعراض عن غير الحق والإقبال على عبودية الحق درجات غير متناهية، فكذلك مراتب السعادات الأخروية غير متناهية، فلهذا السبب قال :﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾.
الفائدة الثالثة : أنه تعالى قال في منافع الدنيا :﴿يُمَتّعْكُمْ مَّتَاعًا حَسَنًا﴾ وقال في سعادات الآخرة ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ وذلك يدل على أن جميع خيرات الدنيا والآخرة ليس إلا منه وليس إلا بإيجاده وتكوينه وإعطاءه وجوده.
وكان الشيخ الإمام الوالد رحمه الله تعالى يقول : لولا الأسباب لما ارتاب مرتاب، فأكثر الناس عقولهم ضعيفة واشتغال عقولهم بهذه الوسائط الفانية يعميها عن مشاهدة أن الكل منه، فأما الذين توغلوا في المعارف الإلهية وخاضوا في بحار أنوار الحقيقة علموا أن ما سواه ممكن لذاته موجود بإيجاده، فانقطع نظرهم عما سواه وعلموا أنه سبحانه وتعالى هو الضار والنافع والمعطي والمانع.


الصفحة التالية
Icon