وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ ﴾
عطف على الأوّل.
﴿ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ ﴾ أي ارجعوا إليه بالطاعة والعبادة.
قال الفرّاء :"ثم" هنا بمعنى الواو ؛ أي وتوبوا إليه ؛ لأن الاستغفار هو التوبة، والتوبة هي الاستغفار.
وقيل : استغفروه من سالف ذنوبكم، وتوبوا إليه من المستأنف متى وقعت منكم.
قال بعض الصلحاء : الاستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين.
وقد تقدّم هذا المعنى في "آل عمران" مستوفى.
وفي "البقرة" عند قوله :﴿ وَلاَ تتخذوا آيَاتِ الله هُزُواً ﴾.
وقيل : إنما قدم ذكر الاستغفار لأن المغفرة هي الغرض المطلوب، والتوبة هي السبب إليها ؛ فالمغفرة أوّل في المطلوب وآخر في السبب.
ويحتمل أن يكون المعنى استغفروه من الصغائر، وتوبوا إليه من الكبائر.
﴿ يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً ﴾ هذه ثمرة الاستغفار والتوبة، أي يمتعكم بالمنافع من سعة الرزق ورغد العيش، ولا يستأصلكم بالعذاب كما فعل بمن أهلك قبلكم.
وقيل : يمتّعكم يُعمِّركم ؛ وأصل الإمتاع الإطالة، ومنه أَمتع اللَّهُ بك ومَتَّع.
وقال سهل بن عبد الله : المتاع الحسن ترك الْخَلق والإقبال على الحق.
وقيل : هو القناعة بالموجود، وترك الحزن على المفقود.
﴿ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ قيل : هو الموت.
وقيل : القيامة.
وقيل : دخول الجنة.
والمتاع الحسن على هذا وقاية كلّ مكروه وأمرٍ مَخُوف، مما يكون في القبر وغيره من أهوال القيامة وكُرَبها ؛ والأوّل أظهر ؛ لقوله في هذه السورة :﴿ ويا قوم استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السمآء عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ ﴾ [ هود : ٥٢ ].
وهذا ينقطع بالموت وهو الأجل المسمى.
والله أعلم.
قال مقاتل : فأبوا فدعا عليهم رسول الله ﷺ، فابتلوا بالقحط سبع سنين حتى أكلوا العظام المحرَقة والقَذَر والجيف والكلاب.


الصفحة التالية
Icon