وجدة ﴿ بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ ﴾ كسقم وخوف وعدم، وفي إسناد الإذاقة إليه تعالى دون المس إشعار بأن إذاقة النعمة مقصودة بالذات دون مس الضر بل هو مقصود بالعرض، ومن هنا قال بعضهم : إنه ينبغي أن تجعل من في قوله سبحانه :﴿ مِنْهُ ﴾ [ هود : ٩ ] للتعليل أي نزعناها من أجل شؤمه وسوء صنيعه وقبح فعله ليكون منا، و﴿ مِنْهُ ﴾ مشيراً إلى هذا المعنى ومنطبقاً عليه كما قال سبحانه :﴿ مَّا أصابك مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَمَا أصابك مِن سَيّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ﴾ [ النساء : ٧٩ ] ولا يخفى أن تفسير ﴿ مِنْهُ ﴾ بذلك خلاف الظاهر المتبادر ولا ضرورة تدعو إليه، وإنما لم يؤت ببيان تحول النعمة إلى الشدة وبيان العكس على طرز واحد بل خولف التعبير فيهما حيث بدىء في الأول باعطاء النعمة وإيصال الرحمة ولم يبدأ في الثاني بإيصال الضر على نمطه تنبيهاً على سبق الرحمة على الغضب واعتناءاً بشأنها، وفي التعبير عن ملابسة الرحمة والنعماء بالذوق المؤذن على ما قيل بلذتهما وكونهما مما يرغب فيه وعن ملابسة الضراء بالمس المشعر بكونها في أدنى ما يطلق عليه اسم اللاقاة من مراتبها من اللطف ما لا يخفى، ولعله يقوي عظم شأن الرحمة.
وذكر البعض أن في لقظ الإذاقة والمس بناءاً على أن الذوق ما يختبر به الطعوم، والمس أول الوصول تنبيهاً على أن ما يجد الإنسان في الدنيا من المنح والمحن نموذج لما يجده في الآخرة، وأنه يقع في الكفران والبطر بأدنى شيء ﴿ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السيئات عَنّي ﴾ أي المصائب التي تسوؤني ولن يعتريني بعد أمثالها ﴿ إِنَّهُ لَفَرِحٌ ﴾ بطر بالنعمة مغتر بها، وأصله فارح إلا أنه حول لما ترى للمبالغة، وفي البحر أن فعلا بكسر العين هو قياس اسم الفاعل من فعل اللازم، وقرىء ﴿ فَرِحَ ﴾ بضم الراء كما تقول : ندس.