قال الفراء : وإِنما لم يقل :"يستوون" لأن الأعمى والأصم من صفةِ واحدٍ، والسميع والبصير من صفةِ واحدٍ، كقول القائل : مررت بالعاقل واللبيب، وهو يعني واحداً، قال الشاعر :
وما أدْرِي إِذا يمَّمْتُ أرضًا...
أريدُ الخيْرَ أيّهما يليني
فقال : أيهما.
وإِنما ذكر الخير وحده، لأن المعنى يُعرف، إِذ المبتغي للخير متَّقٍ للشر.
وقال ابن الأنباري : الأعمى والأصم صفتان لكافر، والسميع والبصير صفتان لمؤمن، فرُدَّ الفعلُ إِلى الموصوفين بالأوصاف الأربعة، كما تقول : العاقل والعالم، والظالم والجاهل، حضرا مجلسي، فتثنِّي الخبر بعد ذكرك أربعة، لأن الموصوف بالعلم هو الموصوف بالعقل، وكذلك المنعوت بالجهل هو المنعوت بالظلم، فلما كان المنعوتان اثنين، رجع الخبر إِليهما، ولم يُلتفت إِلى تفريق الأوصاف، ألا ترى أنه يسوغ أن تقول : الأديب واللبيب والكريم والجميل قصدني، فتوحِّد الفعل بعد أوصاف لعلة أن الموصوف بهن واحد، ولا يمتنع عطف النعوت على النعوت بحروف العطف، والموصوفُ واحد، فقد قال تعالى :﴿ التائبون العابدون ﴾ [ التوبة : ١١٢ ] ثم قال :﴿ الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ﴾ فلم يقتض دخولُ الواو وقوعَ خلاف بين الآمرين والناهين، وقد قيل : الآمر بالمعروف، ناهٍ عن المنكر في حال أمره، وكان دخول الواو دلالة على الآمر بالمعروف، لأن الأمر بالمعروف لا ينفرد دون النهي عن المنكر، كما ينفرد الحامدون بالحمد دون السائحين، والسائحون بالسياحة دون الحامدين، ويدل أيضاً على أن العرب تنسق النعت على النعت والمنعوت واحد، كقول الشاعر يخاطب سعيد بن عمرو بن عثمان بن عفان :
يَظُنُّ سعيدٌ وابنُ عمروٍ بأننَّي...
إِذا سامَني ذلاً أكونُ به أرْضَى
فنسق ابن عمرو على سعيد، وهو سعيد. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٤ صـ ﴾