وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ ﴾
ذكر سبحانه قصص الأنبياء عليهم السلام للنبي ﷺ تنبيهاً له على ملازمة الصبر على أذى الكفار إلى أن يكفيه الله أمرهم.
﴿ إِنَّي ﴾ أي فقال : إني ؛ لأن في الإرسال معنى القول.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ "أَنِّي" بفتح الهمزة ؛ أي أرسلناه بأني لكم نذير مبين.
ولم يقل "إنه" لأنه رجع من الغيبة إلى خطاب نوح لقومه ؛ كما قال :﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ الأعراف : ٧ ] ثم قال :﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ ﴾ [ الأعراف : ١٤٥ ].
قوله تعالى :﴿ أَن لاَّ تعبدوا إِلاَّ الله ﴾ أي اتركوا الأصنام فلا تعبدوها، وأطيعوا الله وحده.
ومن قرأ "إنّي" بالكسر جعله معترضاً في الكلام، والمعنى أرسلناه بألا تعبدوا إلا الله.
﴿ إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ ﴾.
﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا ﴾
فيه أربع مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ فَقَالَ الملأ ﴾ قال أبو إسحق الزجاج : الملأ الرؤساء ؛ أي هم مليئون بما يقولون.
وقد تقدّم هذا في "البقرة" وغيرها.
﴿ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً ﴾ أي آدميًّا.
﴿ مِّثْلَنَا ﴾ نصب على الحال.
و﴿ مثلنا ﴾ مضاف إلى معرفة وهو نكرة يقدر فيه التنوين ؛ كما قال الشاعر :
يا رُبَّ مِثْلِكِ في النِّساءِ غَرِيرَةٍ...
الثانية : قوله تعالى :﴿ وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا ﴾ أَرَاذل جمع أَرْذُل وأَرْذُل جمع رَذْل ؛ مثل كَلْب وأكْلُب وأَكَالب.
وقيل : والأراذل جمع الأَرْذل، كأَسَاود جمع الأَسْوَد من الحيّات.
والرَّذْل النّذْل ؛ أرادوا اتبعك أخِسّاؤنا وسَقَطُنا وسفلتنا.


الصفحة التالية
Icon