والسمع فتخطب في مسلكه فوقع في مهاوي الردي ولم يجد إلى مقصده سبيلاً، وينتزع من حال الفريق الثاني في استعمال مشاعرهم في آيات الله تعالى حسبما ينبغي وفوزهم بدار الخلود هيئة تشبه بهيئة منتزعة ممن له بصر وسمع يستعملهما في مهماته فيهتدي إلى سبيله وينال مرامه، ولا يخفى أنه خلاف الظاهر.
ولعل أظهر الاحتمالات ما أشير إليه أولاً، والكلام من باب اللف والنشر، واللف إما تقديري إن اعتبر في الفريقين لأنه في قوة الكافرين والمؤمنين، أو تحقيقي إن اعتبر فيما دل عليه قوله تعالى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى ﴾ [ هود : ١٨ ] الخ، وقوله سبحانه :﴿ إِنَّ الذين ءامَنُواْ ﴾ [ هود : ٢٣ ] الآية، وأمر النشر ظاهر، ولا يخفى ما فيه من الطباق بين الأعمى والبصير وبين الأصم والسميع، وقدم ما للكافرين قيل : مراعاة لما تقدم ولأن السياق لبيان حالهم، وقدم الأعمى على الأصم لكونه أظهر وأشهر في سوء الحال منه.
وفي البحر إنما لم يجيء التركيب كالأعمى والبصير.
والأصم والسميع ليكون كل من المتقابلين على إثر مقابله لأنه تعالى لما ذكر انسداد العين أتبعه بانسداد السمع، ولما ذكر انفتاح البصر أتبعه بانفتاح السمع وذلك هو الأسلوب في المقابلة والأتم في الاعجاز، وسيأتي إن شاء الله تعالى نظير ذلك في قوله سبحانه :﴿ إِنَّ لَكَ أَن لا تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَؤُا فِيهَا وَلاَ تضحى ﴾ [ طه : ١١٨، ١١٩ ] ثم الظاهر مما تقدم أن الكلام على حذف مضاف وهو مجرور بالكاف، والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع خبراً عن مثل.


الصفحة التالية
Icon